ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ رَدَّهُ، وَقَالَ: لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ، كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَالْغَزَالِيِّ، بِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ مِنْ ارْتِفَاعِ الثِّقَةِ بِالْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ، لِإِمْكَانِ تَرَاخِي الِاسْتِثْنَاءِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَصِحَّ يَمِينٌ قَطُّ. وَمِنْهُمْ مِنْ أَوَّلَهُ، كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ بِمَا إذَا نَوَى الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلًا بِالْكَلَامِ، ثُمَّ أَظْهَرَ نِيَّتَهُ بَعْدَهُ، فَإِنَّهُ يُدَيَّنُ، وَمِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ مَا يُدَيَّنُ فِيهِ الْعَبْدُ يُقْبَلُ ظَاهِرًا.
وَقِيلَ: يَجُوزُ بِشَرْطٍ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ قَوْلِهِ إلَّا زَيْدًا: أُرِيدَ الِاسْتِثْنَاءُ، حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ اسْتِثْنَاءَاتِ الْقُرْآنِ، فَيَجُوزُ فِي كَلَامِ اللَّهِ خَاصَّةً.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: إنَّ التَّأْخِيرَ فِيهِ غَيْرُ قَادِحٍ، قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَإِنَّمَا حَمَلَهُمْ خَيَالٌ تَخَيَّلُوهُ مِنْ قَوْلِ الْمُتَكَلِّمِينَ الصَّائِرِينَ إلَى أَنَّ الْكَلَامَ الْأَزَلِيَّ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا التَّرْكِيبُ فِي جِهَاتِ الْوُصُولِ لِلْمُخَاطَبِينَ، لَا فِي كَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
وَقَالَ الْمُقْتَرِحُ: هُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا الْمَعْنَى الْقَائِمَ بِالنَّفْسِ، فَلَا يَدْخُلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ، وَكَذَلِكَ الْمُثْبَتُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، وَالْعَرَبُ لَا تُجَوِّزُ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْفَصِلَ.
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: الْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّمَا هُوَ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً، كَمَنْ حَلَفَ، وَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلَيْسَ هُوَ فِي الْإِخْرَاجِ بِإِلَّا وَأَخَوَاتِهَا. قَالَ: وَنَقَلَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مُدْرِكَهُ فِي ذَلِكَ {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا - إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: ٢٣ - ٢٤] قَالُوا: الْمَعْنَى إذَا نَسِيتَ قَوْلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُلْ بَعْدَ ذَلِكَ. وَلَمْ يُخَصِّصْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute