للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْت: وَفِي مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ عَلَى يَمِينٍ فَلَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ إلَى سَنَةٍ، وَإِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: ٢٤] قَالَ: إذَا ذَكَرَ اسْتَثْنَى، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ: لَوْ صَحَّ هَذَا عِنْدَهُ، لَاحْتَمَلَ رُجُوعَهُ إذْ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ أَسْنَدَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ ذُكِرَتْ طُرُقُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي " الْمُعْتَبَرِ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْمِنْهَاجِ وَالْمُخْتَصَرِ.

وَحَكَى ابْنُ النَّجَّارِ فِي " تَارِيخِ بَغْدَادَ " أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيَّ أَرَادَ الْخُرُوجَ مَرَّةً مِنْ بَغْدَادَ فَاجْتَازَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، وَإِذَا بِرَجُلٍ عَلَى رَأْسِ سَلَّةٍ فِيهَا بَقْلٌ، وَهُوَ يُحْمَلُ عَلَى ثِيَابِهِ، وَهُوَ يَقُولُ لِآخَرَ مَعَهُ: مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الِاسْتِثْنَاءِ غَيْرُ صَحِيحٍ، إذْ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمَا قَالَ تَعَالَى لِأَيُّوبَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: ٤٤] بَلْ كَانَ يَقُولُ لَهُ: اسْتَثْنِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّحَيُّلِ فِي الْبِرِّ.

قَالَ: فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: بَلْدَةٌ فِيهَا رَجُلٌ يَحْمِلُ الْبَقْلَ، وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، لَا تَسْتَحِقُّ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا.

وَمِثْلُهُ احْتِجَاجُ بَعْضِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: ٨٩] فَلَوْ جَازَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الِاتِّصَالِ لَمْ يَكُنْ لِشَرْعِ الْكَفَّارَةِ وَإِيجَابِهَا مَعْنًى، لِأَنَّهُ كَانَ يُسْتَثْنَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>