للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ الرَّشِيدَ اسْتَدْعَى أَبَا يُوسُفَ الْقَاضِيَ وَقَالَ لَهُ: كَيْفَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الِاسْتِثْنَاءِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو يُوسُفَ: إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْفَصِلَ يَلْحَقُ بِالْخِطَابِ وَيُغَيِّرُ حُكْمَهُ، وَلَوْ بَعْدَ زَمَانٍ. فَقَالَ: عَزَمَتْ عَلَيْك أَنْ تُفْتِيَ بِهِ، وَلَا تُخَالِفَهُ. وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ لَطِيفًا فِيمَا يُورِدُهُ، مُتَأَنِّيًا فِيمَا يُرِيدُهُ، فَقَالَ لَهُ: رَأْيُ ابْنُ عَبَّاسٍ يُفْسِدُ عَلَيْك بَيْعَتَك؛ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَك، وَبَايَعَك رَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ، وَاسْتَثْنَى. فَانْتَبَهَ الرَّشِيدُ، وَقَالَ: إيَّاكَ أَنْ تُعَرِّفَ النَّاسَ مَذْهَبَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَاكْتُمْهُ.

وَقَالَ ابْنُ ظَفَرَ فِي " الْيَنْبُوعِ ": إذَا حَقَّقْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ضَعُفَ أَمْرُ الْخِلَافِ فِيهَا. وَتَحْقِيقُهَا أَنَّهُ لَا يَخْلُو الْحَالِفُ التَّارِكُ لِلِاسْتِثْنَاءِ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى الْجَزْمَ، وَتَرَكَ الِاسْتِثْنَاءَ، فَمَا أَظُنُّ الْخِلَافَ يَقَعُ فِي مِثْلِ هَذَا. أَوْ يَكُونُ نَوَى أَنْ يَسْتَثْنِيَ، وَلَمْ يَنْطِقْ بِالِاسْتِثْنَاءِ، ثُمَّ ذَكَرَ فَتَلَفَّظَ بِهِ، فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُعَدَّ اسْتِثْنَاؤُهُ لَغْوًا. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَاهِلًا عَنْ الْأَمْرَيْنِ مَعًا، فَهَذِهِ الصُّورَةُ صَالِحَةٌ لِلِاخْتِلَافِ، وَلَا يَظْهَرُ فِيهَا قَوْلُ مَنْ صَحَّحَ الِاسْتِثْنَاءَ، لِأَنَّ الْآيَةَ لَا تَشْهَدُ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحْلِفْ، وَلَا تَضَمَّنَتْ الْآيَةُ ذِكْرَ يَمِينٍ. انْتَهَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>