لَمْ تَسْتَعْمِلْهُ فَلَا يَسْقُطُ حُكْمُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِقْرَارِ وَغَيْرِهِ. وَبِذَلِكَ صَرَّحَ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ: فَقَالَ: يَصِحُّ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ فِي اللُّغَةِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْخَشَّابِ مِنْ أَئِمَّةِ النُّحَاةِ: أَجَازَ قَوْمٌ اسْتِثْنَاءَ أَكْثَرِ الْجُمْلَةِ، وَمَنَعَ آخَرُونَ فَلَمْ يُجِيزُوا أَنْ يُسْتَثْنَى إلَّا مَا كَانَ دُونَ النِّصْفِ مِنْهَا، وَلِهَذَا الْقَوْلِ يَشْهَدُ قِيَاسُ الْعَرَبِيَّةِ، وَبِهِ جَاءَ السَّمَاعُ، وَقَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ لَيْسَ بِمُسْتَحِيلٍ فِي الْمَعْقُولِ، وَلَكِنَّ الْآخَرَ يَمْنَعُهُ، وَمَنْ ادَّعَى فِيهِ سَمَاعًا أَوْ اسْتَنْبَطَ مِنْهُ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَادَّعَى مَا لَا أَصْلَ لَهُ.
الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ فَارِسٍ فِي كِتَابِ " فِقْهِ الْعَرَبِيَّةِ ": الصَّحِيحُ فِي الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ: يُسْتَثْنَى الْقَلِيلُ مِنْ الْكَثِيرِ، وَيُسْتَثْنَى الْكَثِيرُ مِمَّا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ، فَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ يُسْتَثْنَى الْكَثِيرُ مِنْ الْقَلِيلِ، فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، فَيُقَالُ: عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً حَتَّى يَبْلُغَ تِسْعَةً.
الثَّالِثَةُ: أَنَّ الْكَلَامَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْعَدَدِ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّتِهِ، وَلِلنُّحَاةِ فِيهِ مَذَاهِبُ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْجَوَازُ، وَعَلَيْهِ بَنَى الْفُقَهَاءُ مَذَاهِبَهُمْ فِي الْأَقَارِيرِ وَغَيْرِهَا.
وَالثَّانِي: الْمَنْعُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عُصْفُورٍ مُحْتَجًّا بِأَنَّهَا نُصُوصٌ، فَالْإِخْرَاجُ مِنْهَا يُخْرِجُهَا عَنْ النَّصِّيَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّك إذَا قُلْت: ثَلَاثَةٌ بِهِ إلَّا وَاحِدًا كُنْت قَدْ أَوْقَعَتْ الثَّلَاثَةَ عَلَى الِاثْنَيْنِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ قَوْلِك: جَاءَ الْقَوْمُ إلَّا عَشَرَةً. وَأَجَابَ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ} [العنكبوت: ١٤] بِأَنَّ الْأَلْفَ لَمَّا كَانَ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّكْثِيرِ. كَقَوْلِك: اُقْعُدْ أَلْفَ سَنَةٍ، تُرِيدُ بِهَا زَمَنًا طَوِيلًا، دَخَلَ الِاحْتِمَالُ فَجَازَ أَنْ يُبَيِّنَ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ لِلتَّكْثِيرِ، قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute