عَلَيْهِمْ بِالْآيَةِ السَّابِقَةِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا عَدَدٌ مَحْصُورٌ، وَفَرَّقُوا بِوُرُودِ اللُّغَةِ فِي هَذَا دُونَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ حَمْلَ الْجِنْسِ عَلَى الْعُمُومِ إنَّمَا هُوَ مِنْ طَرِيقِ الِاحْتِمَالِ لَا مِنْ جِهَةِ الْقَطْعِ عَلَى جَمِيعِ الْجِنْسِ، بِخِلَافِ الْأَعْدَادِ فَإِنَّ جَمِيعَهَا مَنْطُوقٌ بِهَا فَصَارَ صَرِيحًا.
قَدْ صَرَّحُوا بِحِكَايَةِ هَذَا مَذْهَبًا آخَرَ، وَهُوَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ صَرِيحًا، فَلَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ نَحْوُ: عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً، وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ نَحْوُ: خُذْ الدَّرَاهِمَ إلَّا مَا فِي الْكِيسِ الْفُلَانِيِّ، وَكَانَ مَا فِي الْكِيسِ أَكْثَرَ مِنْ الْبَاقِي.
وَحَكَى ابْنُ الْفَارِضِ الْمُعْتَزِلِيُّ فِي كِتَابِ " النُّكَتِ " لَهُ قَوْلًا رَابِعًا عَنْ بَعْضِ النَّحْوِيِّينَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ، وَهُوَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى جُمْلَةً فَيَمْتَنِعُ، نَحْوُ جَاءَ إخْوَتُك الْعَشَرَةُ إلَّا تِسْعَةً، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُفَصَّلًا وَمُعَدَّدًا فَيَجُوزُ، نَحْوُ: إلَّا زَيْدًا وَبَكْرًا وَخَالِدًا إلَى أَنْ يَأْتِيَ إلَى التِّسْعَةِ. وَيَخْرُجُ مِنْ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ السَّابِقِ خَامِسٌ، وَهُوَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ السَّامِعُ الْأَكْثَرَ مِنْ الْأَقَلِّ فَيَمْتَنِعُ، وَإِلَّا جَازَ.
وَيَخْرُجُ أَيْضًا مِنْ كَلَامِ الْحَنَابِلَةِ قَوْلٌ آخَرُ هُوَ جَوَازُهُ فِي الْمُنْقَطِعِ دُونَ الْمُتَّصِلِ، فَحَصَلَ سِتَّةُ مَذَاهِبَ، ثُمَّ يُضَافُ إلَيْهَا الْقَوْلُ الْآتِي: أَنَّهُ يَصِحُّ وَلَكِنْ لَمْ تَرِدْ بِهِ اللُّغَةُ.
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْقَلِيلُ الَّذِي يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ الثُّلُثُ فَمَا دُونَهُ. وَهَاهُنَا فَوَائِدُ:
إحْدَاهَا: أَشَارَ الْمَازِرِيُّ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ اعْتَذَرَ عَنْ الْمَانِعِ فِي الْأَكْثَرِ بِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِي الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا خَالَفَ فِي اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ فِي ذَلِكَ، فَرَأَى أَنَّهَا لَمْ تَسْتَعْمِلْ اسْتِثْنَاءَ الْأَكْثَرِ مِنْ الْأَقَلِّ، وَمَا تَمَسَّكَ بِهِ الْخُصُومُ قَابِلٌ لِلتَّأْوِيلِ، فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ لُغَةِ الْعَرَبِ، لَكِنَّ الْعَرَبَ وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute