أَحَدُهَا: وَنَسَبَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لِلْأَكْثَرِينَ، أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: عَشَرَةٌ، فِي قَوْلِهِ: عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً: سَبْعَةٌ. وَقَوْلُهُ: إلَّا ثَلَاثَةً قَرِينَةٌ مُبَيِّنَةٌ، لِأَنَّ الْكُلَّ اُسْتُعْمِلَ وَأُرِيدَ بِهِ الْجُزْءُ مَجَازًا، كَالتَّخْصِيصِ بِغَيْرِ الِاسْتِثْنَاءِ. وَرَدَّهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَّصِلَ إخْرَاجٌ، وَلِأَنَّ الْعَشَرَةَ نَصٌّ فِي مَدْلُولِهَا، وَالنَّصُّ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ تَخْصِيصٌ. وَإِنَّمَا التَّخْصِيصُ فِي الظَّاهِرِ. وَمَا قَالَهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ مَرْدُودٌ، فَإِنَّ الْكُوفِيِّينَ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يُخْرِجُ شَيْئًا. فَإِذَا قُلْت: قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا، فَإِنَّك أَخْبَرْت بِالْقِيَامِ عَنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ لَيْسَ فِيهِمْ زَيْدٌ، وَزَيْدٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِقِيَامٍ وَلَا بِنَفْيِهِ. وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْعَشَرَةَ نَصٌّ فَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ الْخِلَافُ فِيهِ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ لَا يَسْتَقِيمُ غَيْرُ هَذَا الْمَذْهَبِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: ١٤] فَلَوْ أَرَادَ الْأَلْفَ مِنْ لَفْظِ الْأَلْفِ لَمَا تَخَلَّفَ مُرَادُهُ عَنْ إرَادَتِهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ إلَّا تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ مِنْ الْأَلْفِ، كَمَا أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِالْعَشَرَةِ مَعَ اسْتِثْنَاءِ الْوَاحِدِ لَمْ يُرِدْ مِنْهَا إلَّا التِّسْعَةَ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ عَشَرَةً إلَّا ثَلَاثَةً بِمَنْزِلَةِ سَبْعَةٍ مِنْ غَيْرِ إخْرَاجٍ، كَاسْمَيْنِ وُضِعَا لِمُسَمًّى وَاحِدٍ،
أَحَدُهُمَا: مُفْرَدٌ وَالْآخَرُ مُرَكَّبٌ، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي " الْمَحْصُولِ "، وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَاسْتَنْكَرَ قَوْلَ الْأَوَّلِينَ، وَقَالَ: إنَّهُ مُحَالٌ، لَا يَعْتَقِدُهُ لَبِيبٌ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ خَارِجٌ مِنْ قَانُونِ اللُّغَةِ إذْ لَمْ يُعْهَدْ فِيهَا لَفْظٌ مُرَكَّبٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ وُضِعَ لِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَلِأَنَّا نَقْطَعُ بِدَلَالَةِ الِاسْتِثْنَاءِ بِطَرِيقِ الْإِخْرَاجِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute