الْمُحِيطِ ": الِاسْتِثْنَاءُ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا، أَيْ تَكَلَّمَ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بَعْدَ صَرْفِ الْكَلَامِ عَنْ الْمُسْتَثْنَى.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: لَوْ قَالَ: عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا سَالِمًا أَوْ غَانِمًا، لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى أَحَدَهُمَا، لِأَنَّهُ فِيهِ، فَثَبَتَ حُكْمُ الشَّكِّ فِيهِمَا، وَيَصِيرُ الْكَلَامُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى بِطَرِيقِ أَنَّهُ لَا بَعْضَ وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولًا، لِأَنَّ الْكَلَامَ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْمُسْتَثْنَى أَصْلًا، فَلَا أَثَرَ لِلْجَهَالَةِ فِيهِ. وَفِي " الْمُغْنِي " ابْنُ قُدَامَةَ: الِاسْتِثْنَاءُ إنَّمَا هُوَ مُبَيِّنٌ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى غَيْرُ مُرَادٍ بِالْكَلَامِ، وَهُوَ أَنْ يَمْنَعَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ، وقَوْله تَعَالَى: {إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: ١٤] عِبَارَةٌ عَنْ تِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، فَخَرَجَ بِالْخَمْسِينَ الْمُسْتَثْنَى، وقَوْله تَعَالَى: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} [الزخرف: ٢٦] {إِلا الَّذِي فَطَرَنِي} [الزخرف: ٢٧] فَقَدْ تَبَرَّأَ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ لَا أَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْهُ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ.
وَفَصَّلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ الْعَدَدِيِّ وَغَيْرِهِ، وَقَالُوا فِي غَيْرِ الْعَدَدِيِّ: إنَّهُ إخْرَاجٌ قَبْلَ الْحُكْمِ، ثُمَّ حُكْمُهُ عَلَى الْبَاقِي، وَقَالُوا فِي الْعَدَدِيِّ: لَا إخْرَاجَ، حَتَّى قَالُوا فِي إنْ كَانَ لِي إلَّا مِائَةٌ وَكَذَا، وَلَمْ يَمْلِكْ إلَّا خَمْسِينَ لَا يَحْنَثُ
قُلْت: وَمَا نَسَبُوهُ لِأَصْحَابِنَا مَمْنُوعٌ، وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي " الرَّوْضَةِ ": الْمُخْتَارُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَيَانُ مَا لَمْ يَرِدْ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ، لَا أَنَّهُ إبْطَالُ مَا ثَبَتَ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً أَوْ سِتَّةً، يَلْزَمُهُ أَرْبَعَةٌ، لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ: عَلَيَّ خَمْسَةٌ أَوْ سِتَّةٌ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ. وَاحْتَمَلَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ، لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْعَشَرَةَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute