وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ: يَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا إلَى الَّذِي يَلِيهِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ إثْبَاتًا كَانَ هُوَ نَفْيًا، وَإِنْ كَانَ نَفْيًا كَانَ هُوَ إثْبَاتًا، فَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ خَمْسًا، إلَّا أَرْبَعًا إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: خَمْسًا إثْبَاتٌ. وَإِذَا قَالَ: إلَّا أَرْبَعًا كَانَ نَفْيًا، تَبْقَى وَاحِدَةٌ. فَإِذَا قَالَ: إلَّا اثْنَيْنِ فَيَقَعُ عَلَيْهَا ثَلَاثٌ، فَإِذَا قَالَ إلَّا وَاحِدَةً كَانَ نَفْيًا فَيَبْقَى طَلْقَتَانِ. اهـ.
قُلْت: لَكِنْ لَا إجْمَاعَ، فَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ الْحَنَّاطِيِّ احْتِمَالًا فِيمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً، فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي إلَى أَوَّلِ اللَّفْظِ، أَعْنِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ لَهُ مَأْخَذٌ غَيْرُ الْقُرْبِ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ، إنَّمَا يَقْتَضِي الرُّجْحَانَ.
قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ هَذَا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْأَوَّلِ. يَعْنِي كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ أَمْثِلَتُهُمْ. فَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَكْثَرَ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ عَادَ الْكُلُّ إلَى الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، نَحْوُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا أَرْبَعَةً، وَيَلْزَمُهُ وَاحِدٌ، وَتَبِعَهُ فِي " الْمِنْهَاجِ "
وَقَالَ صَاحِبُ " الذَّخَائِرِ ": هَذَا إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي مِمَّا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ مِنْ الْأَوَّلِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَإِنَّ الثَّانِي لَغْوٌ. وَيَعْمَلُ الْأَوَّلُ. فَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا طَلْقَةً إلَّا طَلْقَةً لَغَا الثَّانِي، وَصَارَ كَقَوْلِهِ ثَلَاثٌ إلَّا طَلْقَةً، فَتَطْلُقُ طَلْقَتَيْنِ. وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الثَّانِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ، كَقَوْلِهِ: ثَلَاثًا إلَّا طَلْقَةً إلَّا طَلْقَتَيْنِ يُلْغَى قَوْلُهُ طَلْقَتَيْنِ. قَالَ: هَذَا مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ.
وَقَدْ حَكَى السِّيرَافِيُّ عَنْ أَهْلِ اللِّسَانِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إعْمَالُ الِاسْتِثْنَاءَيْنِ لِجَعْلِهِمَا بِمَثَابَةِ اسْتِثْنَاءٍ وَاحِدٍ، حَتَّى لَوْ قَالَ: عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا دِرْهَمًا إلَّا دِرْهَمًا يَسْقُطَانِ مِنْ الْعَشَرَةِ وَيَصِيرُ مُقِرًّا بِثَمَانِيَةٍ.
وَحُكِيَ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ إذَا قَالَ: مَا أَتَانِي إلَّا زَيْدٌ إلَّا عَمْرٌو يَكُونَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute