الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ " تَعْلِيقِهِ ": لَوْ قَالَ: عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا، فَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ جُمْلَتَيْنِ، ثُمَّ عَقَّبَهُمَا بِالِاسْتِثْنَاءِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ يَرْجِعُ لِمَا يَلِيه، وَهُوَ يَسْتَغْرِقُهُ، فَلَا يَبْقَى شَيْءٌ فَيَبْطُلُ. كَمَا لَوْ قَالَ: عَلَيَّ دِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، فَكَذَلِكَ هُنَا. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَطَلْقَةً إلَّا طَلْقَةً يَقَعُ طَلْقَتَانِ. وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ إبَاحَةِ الطَّلَاقِ
قَالَ الْقَاضِي: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ خَرَّجَ فِيهَا وَجْهًا أَنَّهُ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَيَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ، وَطَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْجُمْلَتَيْنِ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ كَانَتَا بِمَنْزِلَةِ الْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ: عَلَيَّ دِرْهَمَانِ إلَّا دِرْهَمًا، وَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ إلَّا طَلْقَةً. وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ، وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ. انْتَهَى.
وَتَمَسَّكَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا بِأَنَّ الْمُوجِبَ لِتَعْلِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْمُتَقَدِّمِ كَوْنُهُ لَا يُفِيدُ بِنَفْسِهِ، فَإِذَا تَعَلَّقَ بِالْأَخِيرَةِ صَارَ مُفِيدًا فَلَا حَاجَةَ إلَى صَرْفِهِ إلَى غَيْرِهِ. وَلَنَا أَنَّ الْجُمَلَ إذَا تَعَاطَفَتْ صَارَتْ كَالْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ بِدَلِيلِ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ بِالْمَشِيئَةِ، فَإِنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى مَا تَقَدَّمَ إجْمَاعًا، فَإِنْ فَرَّقَ بِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ يَتَقَدَّمُ كَمَا يَتَأَخَّرُ، فَيَجُوزُ أَنْ يُوقَفَ مَا قَبْلَ الْآخَرِ عَلَى الِاتِّصَالِ بِالشَّرْطِ، وَلَا كَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ. قُلْنَا: هَذَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْجَمْعِ إذْ تَعْلِيقُهُ عَلَى مَا يَلِيهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَعْلِيقِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَاَلَّذِي يَلِيهِ وَالْمُتَقَدِّمُ وَالْمُتَأَخِّرُ فِي هَذَا الْفَرْقِ سَوَاءٌ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَدْ خَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ أَصْلَهُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ التَّوْبَةَ قَبْلَ الْحَدِّ وَلَا بَعْدَهُ، كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ شُرَيْحٌ، لَكِنَّهُ قَالَ بِقَبُولِهَا قَبْلَهُ لَا بَعْدَهُ، فَخَالَفَ أَصْلَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute