وَهَاهُنَا تَنْبِيهَاتٌ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَنَا يَعُودُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْجَمِيعِ هَلْ مَعْنَاهُ الْعَوْدُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِمُفْرَدِهَا أَوْ الْعَوْدُ إلَى الْمَجْمُوعِ وَيَتَوَزَّعُ عَلَيْهَا؟ فِيهِ خِلَافٌ، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِ " الْإِقْرَارِ " فِيمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِينَارٍ إلَّا خَمْسِينَ، وَأَرَادَ بِالْخَمْسِينَ الْمُسْتَثْنَاةِ جِنْسًا غَيْرَ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ قُبِلَ مِنْهُ. وَكَذَا إنْ أَرَادَ عَوْدَهُ إلَى الْجِنْسَيْنِ مَعًا أَوْ إلَى أَحَدِهِمَا، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَعُودُ إلَى مَا يَلِيهِ، وَعِنْدَنَا يَعُودُ إلَى الْمِثَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ ثُمَّ هُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَعُودُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا جَمِيعُ الِاسْتِثْنَاءِ فَيُسْتَثْنَى مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ خَمْسُونَ وَمِنْ مِائَةِ دِينَارٍ خَمْسُونَ، وَالثَّانِي: يَعُودُ إلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، فَيُسْتَثْنَى مِنْ الدَّرَاهِمِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَمِنْ الدَّنَانِيرِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ.
وَلَمْ يُصَحِّحْ الْمَاوَرْدِيُّ شَيْئًا، وَذَكَرَهَا الرُّويَانِيُّ فِي " الْبَحْرِ " وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ، وَقَالَ فِي بَابِ الْعِتْقِ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ إذَا قَالَ: سَالِمٌ وَغَانِمٌ وَزِيَادٌ أَحْرَارٌ - يَعْنِي وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ سِوَاهُمْ - أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت مِنْ حُرِّيَّةِ الْأَخِيرِ وَحْدَهُ قُبِلَ مِنْهُ، وَأُعْتِقَ مِنْ غَيْرِ إقْرَاعٍ. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ حُرِّيَّةَ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي لَا يُقْبَلُ، لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْكِنَايَةِ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرُدُّهُ إلَى الْجَمِيعِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَرُدُّهُ إلَى الْأَوَّلِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْقَوْلَيْنِ. انْتَهَى.
وَهَذَا يُخَرَّجُ مِنْهُ خِلَافٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْعَوْدَ إلَى وَاحِدٍ إنَّمَا هُوَ الْأَخِيرُ. قُلْتُ: وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ الَّذِي حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِيمَا إذْ قُلْت: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي بَكْرٍ، أَوْ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ أَوْ بَنِي بَكْرٍ إلَّا ثَلَاثَةً، هَلْ مَعْنَاهُ إلَّا ثَلَاثَةً مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ أَوْ مَجْمُوعَهُمَا يَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ. وَيُشْبِهُ أَيْضًا تَخْرِيجَهُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute