الْخِلَافِ فِيمَا إذَا عَطَفَ بَعْضَ الْمُسْتَثْنَيَاتِ أَوْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَلَى بَعْضٍ، هَلْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَكُونَا كَالْكَلَامِ الْوَاحِدِ، أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ فَالْقِيَاسُ جَعْلُ الِاسْتِثْنَاءِ عَائِدًا إلَى الْمَجْمُوعِ، وَيَقَعُ فِيمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً تَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَعُودُ إلَى جَمِيعِ مَا سَبَقَ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُجْمَعُ فَالِاسْتِثْنَاءُ يَرْجِعُ بِجُمْلَتِهِ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَحِينَئِذٍ فَيَقَعُ ثِنْتَانِ أَيْضًا، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَكُونُ مِنْ وَاحِدَةٍ وَهُوَ بَاطِلٌ لِاسْتِغْرَاقِهِ، فَوَقَعَتْ الْوَاحِدَةُ الْمَعْطُوفَةُ، وَيَكُونُ مِنْ ثِنْتَيْنِ، وَهُوَ صَحِيحٌ فَيَقَعُ مِنْهُمَا وَاحِدَةٌ، فَحِينَئِذٍ يَقَعُ طَلْقَتَانِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ مَعًا.
الثَّانِي: أَنَّ الرَّافِعِيَّ وَجَمَاعَةً مِنْ الْأَصْحَابِ مَثَّلُوا الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ بِمَا لَوْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَحْفَادِي وَإِخْوَتِي الْمُحْتَاجِينَ إلَّا أَنْ يَفْسُقَ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْمُفْرَدَاتِ لَا الْجُمَلِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْعَامِلُ فِي الْمَعْطُوفِ فِعْلٌ مَحْذُوفٌ مُقَدَّرٌ بَعْدَ حَرْفِ الْعَطْفِ. وَالْمُطَابِقُ تَمْثِيلُ الْإِمَامِ فِي " الْبُرْهَانِ " بِقَوْلِهِ: وَقَفْتُ عَلَى بَنِي فُلَانٍ دَارِي، وَحَبَسْت عَلَى أَقَارِبِي ضَيْعَتِي، وَسَبَّلْتُ عَلَى خَدَمَتِي بَيْتِي إلَّا أَنْ يَفْسُقَ مِنْهُمْ فَاسِقٌ.
الثَّالِثُ: أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهَا مِنْ النَّحْوِيِّينَ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ ابْنَ فَارِسٍ ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ " فِقْهِ الْعَرَبِيَّةِ " وَاخْتَارَ تَوَقُّفَ الْأَمْرِ عَلَى الدَّلِيلِ مِنْ خَارِجٍ، وَذَكَرَهَا الْمَهَابَاذِيُّ فِي " شَرْحِ اللُّمَعِ " وَاخْتَارَ رُجُوعَهُ إلَى مَا يَلِيهِ كَالْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: وَحَمْلُهُ عَلَى أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ جَمِيعِ الْكَلَامِ خَطَأٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا لِعَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَيَسْتَحِيلُ ذَلِكَ. انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَمْرُونٍ فِي " شَرْحِ الْمُفَصَّلِ " فِي قَوْلِنَا: لَا حَوْلَ وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute