للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الثَّانِيَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْجُمْلَتَيْنِ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا لِعَامِلَيْنِ، وَحَسَّنَهُ هُنَا أَنَّ مَعْنَى الثَّانِيَةِ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْأُولَى. فَإِذَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ أَحَدِهَا فَكَأَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْهُمَا، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ سَادًّا مَسَدَّ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ جُمْلَةٍ مُخْتَلِفَةٍ مَعَانِيهَا، وَإِنْ ظَنَّهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] الْآيَةَ، وَقَاسُوهَا عَلَى الشَّرْطِ، لِأَنَّهُ مَتَى تَعَقَّبَ عَادَ إلَى الْكُلِّ.

وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الشَّرْطُ اجْتِمَاعَ عَامِلَيْنِ عَلَى مَعْمُولٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ " لَهُمْ "، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ الْهَاءِ وَالْمِيمِ فِي " لَهُمْ " أَوْ يُنْصَبُ عَلَى أَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ مُسْتَثْنًى مِنْ {أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر: ١٩] لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فَائِدَةً، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) لِلْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ: تُبْ أَقْبَلْ. لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ عَدَمُ الْفِسْقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ الْفَاسِقِينَ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْفِسْقِ قَبُولُ الشَّهَادَةِ، وَلَا يُضْمَرُ الْفَصْلُ لِتَعَلُّقِهِ بِهِ، وَلَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَثْنًى مِنْ {فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: ٤] لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ لَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ بَعْدَ التَّوْبَةِ. وَهَذَا مِنْهُمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ فِي الْمُسْتَثْنَى مَا قَبْلُ إلَّا؛ فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْعَامِلَ " إلَّا " كَمَا صَحَّحَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ، لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِيلًا

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِعَوْدِهِ إلَى الْجَمِيعِ، إنْ قَالُوا بِأَنَّ الْعَامِلَ " إلَّا " فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ قَالُوا: مَا قَبْلَهَا، فَعَلَيْهِ هَذَا الْإِشْكَالُ. وَقَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ: قَدْ نُقِلَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ مُقَدِّمِ أَئِمَّةِ النَّحْوِ وَمَتْبُوعُهُمْ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>