الْأَخِيرَةِ، كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَهَذَا بَنَاهُ أَبُو عَلِيٍّ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْعَامِلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ - الْفِعْلُ الَّذِي قَبْلَ " إلَّا "، وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ اللُّغَوِيُّ وَالْقِيَاسُ النَّحْوِيُّ عَلَى أَنْ يَجُوزَ أَنْ يَعْمَلَ عَامِلَانِ فِي مَعْمُولٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا مَقْطُوعٌ بِهِ فِي الْمَعْمُولِ أَيْضًا.
قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَسَنِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ سَوَادَانِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، لِأَنَّهُمَا لَوْ اجْتَمَعَا لَجَازَ أَنْ يَرْتَفِعَ أَحَدُهُمَا بِضِدِّهِ، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ عَقْلًا فَلَوْ قَدَّرْنَا رَفْعَ أَحَدِ السَّوَادَيْنِ بِبَيَاضٍ لَأَدَّى إلَى اجْتِمَاعِ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ عَقْلًا، فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ عَامِلَانِ فِي مَعْمُولٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَرْتَفِعَ أَحَدُ الْعَامِلَيْنِ بِضِدِّهِ، فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا مَثَلًا يُوجِبُ الرَّفْعَ، وَالْآخَرُ يُوجِبُ النَّصْبَ، فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ مَرْفُوعًا وَمَنْصُوبًا، وَذَلِكَ بَاطِلٌ
الرَّابِعُ: أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ عَقِيبَ الْجُمَلِ مُخْتَلِفٌ، فَمِنْهُ مَا يَعُودُ إلَى الْكُلِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آلِ عِمْرَانَ: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} [آل عمران: ٨٦] إلَى قَوْلِهِ: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: ٥] وَفِي الْمَائِدَةِ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: ٣] إلَى قَوْلِهِ: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: ٣] قِيلَ: الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ، وَقِيلَ مُنْقَطِعٌ، يَعُودُ عَلَى الْمُنْخَنِقَةِ وَمَا بَعْدَهَا. أَيْ مَا أَدْرَكْتُمْ ذَكَاتَهُ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ. وَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: ٣٣] الْآيَةَ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ قَائِمٌ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: ٣٤] عَائِدٌ إلَى الْجَمِيعِ.
وَمِنْهُ مَا يَعُودُ عَلَى جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ، كَقَوْلِهِ: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} [هود: ٨١] إلَى قَوْلِهِ: {إِلا امْرَأَتَكَ} [هود: ٨١] قُرِئَ بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْجُمْلَةِ الْأُولَى، لِأَنَّهَا مُوجِبَةٌ، وَبِالرَّفْعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute