وَالشَّرْطِ، إذْ الشَّرْطُ مُوجِبٌ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بَعْدَهُ، وَلَا يَبْقَى بِهِ قَبْلَهُ، وَالْغَايَةُ مُوجِبَةٌ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ قَبْلَهَا لَا بَعْدَهَا. فَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْغَايَةِ شَرْطُ الْإِثْبَاتِ بِهِمَا وَالنَّفْيُ بِأَحَدِهِمَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] وَهَذَا غَايَةٌ. ثُمَّ قَالَ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: ٢٢٢] وَهَذَا شَرْطٌ، فَلَا يُسْتَبَاحُ وَطْؤُهَا إلَّا بِالْغُسْلِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ، وَتَنْتَفِي الِاسْتِبَاحَةُ بِعَدَمِهِمَا، أَوْ عَدَمِ أَحَدِهِمَا مِنْ غَايَةٍ أَوْ شَرْطٍ. وَكَذَا جَعَلَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ الْآيَةَ مِنْ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِغَايَةٍ وَشَرْطٍ، وَالْغُسْلُ شَرْطٌ، فَكَانَا مُعْتَبَرَيْنِ فِي إبَاحَةِ الْإِصَابَةِ.
وَقَالَ الْأُصُولِيُّونَ: يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ لِلْحُكْمِ غَايَتَانِ كَهَذِهِ الْآيَةِ. وَقَالَ فِي الْمَحْصُولِ ": الْغَايَةُ هِيَ الْأَخِيرَةُ، لِأَنَّهَا الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْحُكْمُ، وَسُمِّيَتْ الْأُولَى غَايَةً مَجَازًا لِقُرْبِهَا مِنْ الْغَايَةِ وَاتِّصَالِهَا بِهَا، وَنُوزِعَ بِأَنَّ هَاتَيْنِ غَايَتَانِ لِشَيْئَيْنِ فَمَا اجْتَمَعَ غَايَتَانِ، لِأَنَّ التَّحْرِيمَ النَّاشِئَ عَنْ دَمِ الْحَيْضِ غَايَتُهُ انْقِطَاعُ الدَّمِ، فَإِذَا انْقَطَعَ حَدَثَ تَحْرِيمٌ آخَرُ نَاشِئٌ عَنْ عَدَمِ الْغَسْلِ، فَالْغَايَةُ الثَّانِيَةُ غَايَةُ هَذَا التَّحْرِيمِ الثَّانِي. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ هُنَا غَايَتَانِ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا: لَهَا حَرْفَانِ " حَتَّى، وَإِلَى " وَلَيْسَ هُنَا غَيْرُ " حَتَّى "، فَلَوْ كَانَ الْحَرْفَانِ هُنَا لَأَمْكَنَ مَا قَالُوا، وَإِنَّمَا هُوَ نَظِيرُ قَوْلِك لَا تُكْرِمْ زَيْدًا حَتَّى يَدْخُلَ الدَّارَ، فَإِذَا دَخَلَ فَأَكْرِمْهُ وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ عَلَى قِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ فِي (يَطَّهَّرْنَ) فَالْغَايَةُ وَاحِدَةٌ وَهِيَ تَأْكِيدٌ لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ عَلَى قِرَاءَةِ التَّخْفِيفِ، أَيْ يَنْقَطِعُ حَيْضُهُنَّ، فَبَعْدَهُ {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] أَيْ اغْتَسَلْنَ، وَهُوَ شَرْطٌ، فَيَتَعَارَضُ مَفْهُومُ الْغَايَةِ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ، فَأَيُّهُمَا يُقَدَّمُ؟ الظَّاهِرُ تَقْدِيمُ مَفْهُومِ الشَّرْطِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute