الثَّانِي: أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُغَيَّا أَنْ يَثْبُتَ قَبْلَ الْغَايَةِ، وَيَتَكَرَّرَ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهَا، كَقَوْلِك: سِرْت مِنْ الْبَصْرَةِ إلَى الْكُوفَةِ؛ فَإِنَّ السَّيْرَ الَّذِي هُوَ الْمُغَيَّا ثَابِتٌ قَبْلَ الْكُوفَةِ، وَيَتَكَرَّرُ فِي طَرِيقِهَا. وَعَلَى هَذَا يُمْنَعُ أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى: {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: ٦] غَايَةً لِغَسْلِ الْيَدِ، لِأَنَّ غَسْلَ الْيَدِ إنَّمَا يَحْصُلُ بَعْدَ الْوُصُولِ إلَى الْإِبِطِ. فَلَيْسَ ثَابِتًا قَبْلَ الْمِرْفَقِ الَّذِي هُوَ غَايَةٌ، فَلَا يَنْتَظِمُ غَايَةً لَهُ، وَإِنَّمَا يَنْتَظِمُ أَنْ لَوْ قِيلَ: اغْسِلُوا إلَى الْمَرَافِقِ لِأَنَّ مَطْلُوبَ الْغُسْلِ ثَابِتٌ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَمُتَكَرِّرٌ.
قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُغَيَّا غَيْرَ الْغُسْلِ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: اُتْرُكُوا مِنْ آبَاطِكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ فَيَكُونُ مُطْلَقُ التَّرْكِ ثَابِتًا قَبْلَ الْمِرْفَقِ، وَيَتَكَرَّرُ إلَيْهِ، وَيَكُونُ الْغُسْلُ نَفْسُهُ لَمْ يُغَيَّ، فِي هَذَا يَتَعَارَضُ الْمَجَازُ وَالْإِضْمَارُ، فَإِنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَجَوَّزَ بِلَفْظِ الْيَدِ إلَى جُزْئِهَا حَتَّى يَثْبُتَ قَبْلَ الْغَايَةِ، وَلَا يُضْمَرُ. وَإِمَّا أَنْ يُضْمَرَ كَمَا يَقُولُ: هَذَا الْحَنَفِيُّ، وَمِنْ هَذَا قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] يَقْتَضِي ثُبُوتَ الصِّيَامِ بِوَصْفِ التَّمَامِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَيَتَكَرَّرُ إلَى غُرُوبِهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَيُشْكَلُ كَوْنُ اللَّيْلِ غَايَةً لِلصَّوْمِ التَّامِّ، وَإِنَّمَا يَنْتَظِمُ، لَوْ قِيلَ صُومُوا إلَى اللَّيْلِ.
قَالَ الْقَرَافِيُّ: أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَتِمُّوا كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّوْمِ بِسُنَنِهِ وَفَضَائِلِهِ. وَكَرِّرُوا ذَلِكَ إلَى اللَّيْلِ، وَالْكَمَالُ فِي الصَّوْمِ قَدْ يَحْصُلُ فِي جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّوْمِ دُونَ جُزْءٍ، مِنْ جِهَةِ اجْتِنَابِ الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَأْبَاهُ الصَّوْمُ، وَكَذَلِكَ آدَابُهُ الْخَاصَّةُ: كَتَرْكِ السِّوَاكِ، وَالتَّفَكُّرِ فِي أُمُورِ النِّسَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَأُمِرْنَا بِتَكْرِيرِ هَذَا إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ أَصْحَابَنَا فِي الْفُرُوعِ صَحَّحُوا عَدَمَ دُخُولِهَا فِيهَا إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute