للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَتَخْصِيصِ قَوْله تَعَالَى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: ٦٢] فَإِنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَيْسَ خَالِقًا لِنَفْسِهِ. وَالثَّانِي: كَتَخْصِيصِ قَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ} [آل عمران: ٩٧] الْآيَةَ فَإِنَّا نُخَصِّصُ الطِّفْلَ وَالْمَجْنُونَ لِعَدَمِ فَهْمِهِمَا الْخِطَابَ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ.

قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الصِّيغَةَ الْعَامَّةَ إذَا وَرَدَتْ وَاقْتَضَى الْعَقْلُ امْتِنَاعَ تَعْمِيمِهَا، فَيُعْلَمُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا خُصُوصُ مَا لَا يُحِيلُهُ الْعَقْلُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ الْعَقْلَ صِلَةٌ لِلصِّيغَةِ نَازِلَةٌ لَهُ مَنْزِلَةَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ بِالْكَلَامِ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ، أَنَّا نَعْلَمُ بِالْعَقْلِ أَنَّ مُطْلَقَ الصِّيغَةِ لَمْ يُرَدْ تَعْمِيمُهَا.

وَقَدْ مَنَعَ بَعْضُهُمْ التَّخْصِيصَ بِالْعَقْلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ " فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ: مَا نَزَلَ مِنْ كِتَابٍ عَامًّا يُرَادُ بِهِ الْعَامُّ وَيَدْخُلُهُ الْخُصُوصُ، ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: ٦٢] وَذَكَرَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} [هود: ٦] فَهَذَا عَامٌّ لَا خُصُوصَ فِيهِ، فَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ سَمَاءٍ وَأَرْضٍ وَذِي رُوحٍ وَشَجَرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَاَللَّهُ خَالِقُهُ، وَكُلُّ دَابَّةٍ فَعَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا، وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا. انْتَهَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>