وَحَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ التَّخْصِيصَ مِنْ الْعُمُومِ لِمَا يَصِحُّ دُخُولُهُ فِيهِ، لَوْلَا دَلِيلُ التَّخْصِيصِ، فَأَمَّا الَّذِي يَسْتَحِيلُ دُخُولُهُ فِي عُمُومِ الْخِطَابِ فَلَيْسَ خُرُوجُهُ عَنْهُ تَخْصِيصًا
وَقَالَ فِي كِتَابِ التَّحْصِيلِ ": إنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: ٦٢] : إنَّهُ عَامٌّ لَا خُصُوصَ فِيهِ. وَاعْتَرَضَ ابْنُ دَاوُد عَلَيْهِ بِتَخْصِيصِ كَلَامِهِ وَصَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ. وَأَجَابَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالصَّيْرَفِيُّ عَنْهُ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ مَعْنَاهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ عُمُومِ اللَّفْظِ بِالدَّلِيلِ مَا كَانَ يَجُوزُ دُخُولٌ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَقْلِ؛ فَأَمَّا الَّذِي يَسْتَحِيلُ دُخُولُهُ فِي عُمُومِ اللَّفْظِ، فَإِنَّ خُرُوجَهُ عَنْ الْخِطَابِ لَا يَكُونُ تَخْصِيصًا. انْتَهَى.
وَفَصَّلَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي اللُّمَعِ " بَيْنَ مَا يَجُوزُ وُرُودُ الشَّرْعِ بِخِلَافِهِ، وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ مِنْ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، فَيَمْتَنِعُ التَّخْصِيصُ بِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِعَدَمِ الشَّرْعِ، فَإِذَا وَرَدَ الشَّرْعُ سَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِهِ وَصَارَ الْحُكْمُ لِلشَّرْعِ، فَأَمَّا مَا لَا يَجُوزُ وُرُودُ الشَّرْعِ بِخِلَافِهِ كَاَلَّذِي دَلَّ الْعَقْلُ عَلَى نَفْيِهِ، فَيَجُوزُ نَحْوُ: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: ٦٢] فَإِنَّ الْمُرَادَ مَا خَلَا الصِّفَاتِ لِدَلَالَةِ الْعَقْلِ عَلَى ذَلِكَ. انْتَهَى. وَهَذَا يَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ تَقْيِيدًا لِكَلَامِ مَنْ أَطْلَقَ، لَا مَذْهَبًا آخَرَ.
ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ وَالْغَزَالِيُّ وَإِلْكِيَا الطَّبَرِيِّ وَغَيْرُهُمْ: النِّزَاعُ لَفْظِيٌّ، إذْ مُقْتَضَى الْعَقْلِ ثَابِتٌ دُونَ اللَّفْظِ إجْمَاعًا؛ لَكِنَّ الْخِلَافَ فِي تَسْمِيَتِهِ تَخْصِيصًا، فَالْخَصْمُ لَا يُسَمِّيهِ، لِأَنَّ الْمُخَصِّصَ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي التَّخْصِيصِ، وَهُوَ الْإِرَادَةُ لَا الْعَقْلُ، وَلِأَنَّ دَلِيلَ الْعَقْلِ سَابِقٌ، فَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute