يَعْمَلُ فِي اللَّفْظِ؛ بَلْ يَكُونُ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ وَمَعْنَى قَوْلِنَا: إنَّهُ مُخَصِّصٌ أَنَّ الدَّلِيلَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْخُصُوصُ، وَلِذَلِكَ الْعَقْلُ هَذَا الْحَظُّ، وَالدَّلِيلُ لَا يُخَصُّ؛ وَلَكِنَّهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ الْقَصْدُ فَلَا فَرْقَ إذَنْ بَيْنَ دَلِيلِ الْعَقْلِ وَالسَّمْعِ فِي ذَلِكَ.
وَكَذَا قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّةِ دَلَالَةِ الْعَقْلِ عَلَى خُرُوجِ شَيْءٍ عَنْ حُكْمِ الْعُمُومِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَسْمِيَتِهِ تَخْصِيصًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ مَعْنَوِيٌّ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ: وَجْهُهُ عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِهِ، أَنَّ اللَّفْظَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لَهُ، لِأَنَّهُ لَا يُوضَعُ لِغَيْرِ الْمَعْقُولِ، فَيَكُونُ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي، وَهُوَ حُجَّةٌ، وَحَقِيقَةٌ عِنْدَهُ قَطْعًا. وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ مُخَصِّصٌ كَانَ مَجَازًا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعَامِّ إذَا خُصَّ، فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ عَلَى هَذَا، وَلَا يَجْرِي عَلَى الْأَوَّلِ.
وَقِيلَ: بَلْ الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ مِنْ الْحَنَابِلَةِ. قَالَ: الْمَنْعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ لَا يَحْسُنُ وَلَا يَقْبُحُ، وَأَنَّ الشَّرْعَ يَرِدُ بِمَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ. وَأَنْكَرَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ.
وَقَالَ النَّقْشَوَانِيُّ: الْكَلَامُ لَيْسَ فِي مُطْلَقِ الْعُمُومِ؛ بَلْ فِي الْعُمُومَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ. فَإِنَّ الْفَقِيهَ لَا يَنْظُرُ فِي غَيْرِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ، وَكَذَا الْأُصُولِيُّ. وَحِينَئِذٍ فَالْعَقْلُ لَا مَجَالَ لَهُ فِي تَحْصِيلِ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ إلَّا بِالنَّظَرِ فِي دَلِيلٍ آخَرَ شَرْعِيٍّ؛ فَإِذَا فَرَضْنَا نَصًّا يَقْتَضِي إبَاحَةَ الْقَتْلِ، فَالْعَقْلُ إنَّمَا يُخَصِّصُهُ لَوْ أَدْرَكَ الْمَصْلَحَةَ، وَكَيْفَ يُدْرِكُهَا؟ فَلَا يُخَصِّصُهَا. انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَرْدُودٌ بِمَا سَبَقَ عَنْ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ فِي تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ.
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: اخْتَلَفُوا هَلْ يَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ مَا يَمْنَعُ الْعَقْلَ إجْرَاءَ الْحُكْمِ فِيهِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ، فَيُخْرِجُهُ بِهِ دَلِيلُهُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ كَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّ الدَّلِيلَ أَوْجَبَ إخْرَاجَهُ عَنْهُ.
قَالَ: وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ هُنَا: أَنَّ اللَّفْظَ إذَا وَرَدَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute