للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي إسْقَاطٍ أَوْ إيجَابٍ أَوْ حَظْرٍ أَوْ إبَاحَةٍ، فَهَلْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ أَوْ لَا؟ هَذَا كَلَامُهُ، وَهُوَ أَثْبَتُ مَعْقُولٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَنْبِيهَانِ

الْأَوَّلُ: مِنْ أَمْثِلَتِهِمْ {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: ٢٨٤] وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الشَّيْءَ مَصْدَرُ شَاءَ يَشَاءُ، فَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ، فَإِطْلَاقُهُ عَلَى الذَّوَاتِ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} [لقمان: ١١] أَيْ مَخْلُوقُ اللَّهِ، وَنَحْوُ دِرْهَمٌ ضَرْبُ الْأَمِيرِ، أَيْ مَضْرُوبُ الْأَمِيرِ. فَقَوْلُنَا: هَذَا شَيْءٌ فِي الذَّوَاتِ، أَيْ مُشَاءٌ، فَحَقُّهُ أَنْ يَكُونَ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَشِيئَةُ، إمَّا بِالْفِعْلِ كَالْمَوْجُودَاتِ أَوْ بِالْقُوَّةِ كَالْمَعْدُومِ الْمُمْكِنِ. فَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنفال: ٢٠ - ٧٥] وَمَا شَاكَلَهُ عَلَى عُمُومِهِ، لِأَنَّ إلَهًا ثَابِتًا وَنَحْوَهُ مِنْ الْمُحَالَاتِ، فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَشِيئَةُ لَا بِالْفِعْلِ، وَلَا بِالْقُوَّةِ، فَلَا يُسَمَّى شَيْئًا، فَلَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: ٢٠] فَلَا يُقَالُ: إنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْمُحَالُ لِذَاتِهِ.

وَالشَّيْءُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ يَخُصُّ الْمَوْجُودَ لَا الْمَعْدُومَ، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي الْمَعْدُومِ الَّذِي يَصِحُّ وُجُودُهُ شَيْءٌ وَأَمَّا الْمُسْتَحِيلُ فَلَا خِلَافَ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ

وَغَلِطَ الزَّمَخْشَرِيّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ، فَأَدْخَلَ الْمُسْتَحِيلَ فِي اسْمِ الشَّيْءِ، وَإِنَّمَا هَذَا مَذْهَبُ النُّحَاةِ، فَإِنَّ سِيبَوَيْهِ وَقَعَ لَهُ أَنَّ الشَّيْءَ عَامٌّ مُتَنَاوِلٌ. قَالَ: هُوَ كَمَا تَقُولُ: مَعْلُومٌ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْمَعْلُومَ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُسْتَحِيلُ، عَلَى أَنَّ أَبَا هَاشِمٍ يَقُولُ: الْعِلْمُ بِالْمُسْتَحِيلِ عِلْمٌ لَا مَعْلُومَ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>