أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ نَبِيِّهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُخَصِّصًا لِلظَّاهِرِ أَوْ مُبْتَدِئًا، وَلَا مَعْنَى لِإِمْكَانِ التَّخْصِيصِ مَعَ الْقَوْلِ بِحُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ قَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ " بِهِ " فِي الْجُمْلَةِ وَخَالَفُونَا فِي التَّفْصِيلِ، فَقَالُوا: وقَوْله تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا» وَهُوَ خَبَرُ وَاحِدٍ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: ١٤٥] الْآيَةَ فَقَالُوا: بِتَحْرِيمِ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ.
الثَّالِثُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ، وَمَا لَمْ يَدْخُلْهُ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْهُ يَبْقَى عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَمَا دَخَلَهُ بَقِيَ مَجَازًا، وَضَعُفَتْ دَلَالَتُهُ، وَنَقَلُوهُ عَنْ عِيسَى بْنِ أَبَانَ. وَهُوَ مُشْكِلٌ بِمَا سَبَقَ عَنْهُ مِنْ أَنَّ الْعَامَّ الْمَخْصُوصَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ حُجَّةً لَمْ يَبْقَ لِلْقَوْلِ بِتَخْصِيصِهِ فَائِدَةٌ، إذْ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ بَيَانُ أَنَّ الصُّورَةَ الْمَخْصُوصَةَ لَا يَتَنَاوَلُهَا حُكْمُ الْعُمُومِ، وَالتَّقْدِيرُ: لَمْ يَبْقَ لَهُ حُكْمٌ، أَوْ لَهُ حُكْمٌ مُجْمَلٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَيَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ، فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ الْقَوْلُ بِكَوْنِهِ لَا يَبْقَى حُجَّةً، مَعَ قَوْلِهِ بِجَوَازِ تَخْصِيصِهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ،.
وَقَدْ حَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي التَّلْخِيصِ مِنْ كِتَابِ التَّقْرِيبِ " عَنْهُ أَنَّهُ إنْ خُصَّ بِقَطْعِيٍّ جَازَ تَخْصِيصُ بَاقِيهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ افْتِتَاحُ تَخْصِيصِهِ بِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ لَهُ قَدَّمْنَاهُ، وَهُوَ أَنَّ الْعُمُومَ إذَا خُصَّ بَعْضُهُ صَارَ مُجْمَلًا فِي بَقِيَّةِ الْمُسَمَّيَاتِ لَا يُسَوِّغُ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ فِيهَا. فَجُعِلَ الْخَبَرُ عَلَى التَّحْقِيقِ مُثْبِتًا حُكْمًا ابْتِدَاءً، وَلَيْسَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ التَّخْصِيصِ إذَا حَقَّقْته، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِاللَّفْظِ الْمُجْمَلِ فِي عُمُومٍ وَلَا خُصُوصٍ قَبْلَ وُرُودِ الْخَبَرِ وَبَعْدَهُ. انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute