جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَبَيْنَ الرَّجْعَةِ وَأَمَرَ بِالْإِشْهَادِ فِيهِمَا، ثُمَّ كَانَ الْإِشْهَادُ عَلَى الطَّلَاقِ غَيْرَ وَاجِبٍ، كَذَلِكَ الْإِشْهَادُ عَلَى الرَّجْعَةِ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: قَدْ قَاسَ الشَّافِعِيُّ الْإِشْهَادَ عَلَى الرَّجْعَةِ عَلَى الْإِشْهَادِ عَلَى الطَّلَاقِ، وَخَصَّ بِهِ ظَاهِرَ الْأَمْرِ بِالْإِشْهَادِ إذْ ظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ.
قَالَ: وَإِمَّا الْكَلَامُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ ذَلِكَ الْقَائِلُ، فَلَمْ يَقْصِدْ الشَّافِعِيُّ مَنْعَ التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُ الظَّاهِرِ بِالْقِيَاسِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ، فَرَوَى حَدِيثَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ» ، ثُمَّ حَكَى عَنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْعِلَّةُ فِي طَلَبِ الْوَلِيِّ أَنَّهُ يَطْلُبُ الْحَظَّ لِلْمَنْكُوحَةِ، وَيَضَعُهَا فِي كُفْءٍ، فَإِذَا تَوَلَّتْ هِيَ ذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْوَلِيِّ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا الْقِيَاسُ غَيْرُ جَائِزٍ، لِأَنَّهُ يَعْمِدُ إلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَيُسْقِطُهُ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ يُفْضِي إلَى سُقُوطِ اعْتِبَارِ الْوَلِيِّ وَذَلِكَ يُسْقِطُ نَصَّ الْخَبَرِ، وَاسْتِعْمَالُ الْقِيَاسِ هُنَا لَا يَجُوزُ، إنَّمَا يَجُوزُ حَيْثُ يُخَصُّ الْعُمُومُ انْتَهَى.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ اسْتِنْبَاطَ مَعْنًى مِنْ النَّصِّ يَعُودُ عَلَيْهِ بِالْإِبْطَالِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الْعُمُومَ.
الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: إنْ تَطَرَّقَ إلَيْهِ التَّخْصِيصُ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ خُصَّ بِهِ وَإِلَّا فَلَا. وَحَكَاهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ " عَنْ عِيسَى بْنِ أَبَانَ، وَكَذَا الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي اللُّمَعِ "، وَحَكَى الْإِمَامُ عَنْهُ إنْ تَطَرَّقَ إلَيْهِ التَّخْصِيصُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute