وَابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ، وَاسْتَحْسَنَهُ الْقَرَافِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ، وَقَالَ: لَقَدْ أَحْسَنَ فِي هَذَا الِاخْتِيَارِ أَبُو حَامِدٍ، فَكَمْ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ شَاكِرٍ وَحَامِدٍ.
وَقَالَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ الْعُنْوَانِ ": أَنَّهُ مَذْهَبٌ جَيِّدٌ، فَإِنَّ الْعُمُومَ قَدْ تَضْعُفُ دَلَالَتُهُ لِبُعْدِ قَرِينَتِهِ، فَيَكُونُ الظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ رَاجِحًا عَلَى الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْعُمُومِ الَّذِي وَصَفْنَاهُ، وَقَدْ يَكُونُ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ، بِأَنْ يَكُونَ الْعُمُومُ قَوِيَّ الرُّتْبَةِ، وَيَكُونَ الْقِيَاسُ قِيَاسَ شَبَهٍ، وَالْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ: أَنَّ الْعَمَلَ بِأَرْجَحِ الظَّنَّيْنِ وَاجِبٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ لَيْسَ مَذْهَبًا، وَلَمْ يَقُلْهُ الرَّجُلُ عَلَى أَنَّهُ مَذْهَبٌ مُسْتَقِلٌّ، فَتَأَمَّلْ الْمُسْتَصْفَى " تَجِدُ ذَلِكَ. وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ: إنَّ الظَّنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ الْعُمُومِ أَقْوَى، ثُمَّ يَقُولُ: الْقِيَاسُ تَخْصِيصٌ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُقَلَاءِ أَنَّ أَرْجَحَ الظَّنَّيْنِ عِنْدَ التَّعَارُضِ مُعْتَبَرٌ، وَالْوُقُوفُ عِنْدَ الْمُسْتَوِي ضَرُورِيٌّ، إنَّمَا الشَّأْنُ فِي بَيَانِ الْأَرْجَحِ مَا هُوَ؟ فَفَرِيقٌ قَالُوا: إنَّ الْأَرْجَحَ الْعُمُومُ، فَلَا يُخَصُّ بِالْقِيَاسِ، وَهُوَ الْإِمَامُ فِي الْمَعَالِمِ " وَقَوْمٌ قَالُوا: الْأَرْجَحُ الْقِيَاسُ، فَيُخَصُّ الْعُمُومَ. وَالْقَوْلَانِ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ، كَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ.
السَّابِعُ: الْوَقْفُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي تَعَارَضَا فِيهِ، وَالرُّجُوعُ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ سِوَاهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْغَزَالِيِّ، وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَالْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ "، وَإِلْكِيَا الطَّبَرِيِّ.
قَالَ: وَلَا يَظْهَرُ فِيهِ دَعْوَى الْقَطْعِ مِنْ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِهِ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ شَارَكَ الْقَوْلَ بِالتَّخْصِيصِ مِنْ وَجْهٍ، وَبَايَنَهُ مِنْ وَجْهٍ، أَمَّا الْمُشَارَكَةُ فَلِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ إسْقَاطُ الِاحْتِجَاجِ، وَالْوَاقِفُ يَقُولُ بِهِ، وَأَمَّا الْمُبَايَنَةُ، فَهِيَ أَنَّ الْقَائِلَ بِالتَّخْصِيصِ يَحْكُمُ بِمُقْتَضَى الْقِيَاسِ، وَالْوَاقِفُ لَا يَحْكُمُ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute