فَإِنْ كَانَ مُسْتَنْبَطًا مِنْ الْأَصْلِ لَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُهُ بِهِ قَطْعًا، كَعِلَّةِ الْحَنَفِيَّةِ فِي الرِّبَا أَنَّهُ الْكَيْلُ، فَإِنَّهُمْ اسْتَنْبَطُوهَا مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ، وَهُوَ عَامٌّ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَالْعِلَّةُ الَّتِي اسْتَنْبَطُوهَا تُوجِبُ التَّخْصِيصَ فِيمَا لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ، فَلَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ يَعْتَرِضُ الْفَرْعُ عَلَى أَصْلِهِ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَنْبَطٍ مِنْ الْأَصْلِ جَازَ.
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ: أَطْلَقَ أَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ تَرْجَمَةَ الْمَسْأَلَةِ، لَكِنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ لَيْسَ الْقِيَاسَ الْمُعَارِضَ لِلنَّصِّ الْعَامِّ مُطْلَقًا، فَإِنَّ بَعْضَ أَنْوَاعِ الْقِيَاسِ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى عُمُومِ النَّصِّ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ حُكْمُ الْأَصْلِ الَّذِي يَسْتَنِدُ إلَيْهِ حُكْمُ الْفَرْعِ مَقْطُوعًا بِهِ، وَعِلَّتُهُ مَنْصُوصَةً أَوْ مُجْمَعًا عَلَيْهَا مَعَ تَصَادُقِهِمَا فِي الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ صَارِفٍ قَطْعًا، فَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْقِيَاسِ لَا أَوَفُقُ الْخِلَافُ فِيهِ فِي أَنَّهُ يُخَصَّصُ بِهِ عُمُومُ النَّصِّ، فَيَجِبُ اسْتِثْنَاءُ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ تَرْجَمَةِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْإِبْيَارِيُّ شَارِحُ " الْبُرْهَانِ " وَغَيْرُهُ.
وَجَعَلَ الْغَزَالِيُّ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي قِيَاسِ النَّصِّ الْخَاصِّ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ قِيَاسَ نَصٍّ عَامٍّ لَمْ يُخَصَّ بِهِ، بَلْ يَتَعَارَضَانِ، كَالْعُمُومَيْنِ، وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ الْمَذْهَبُ الثَّانِي.
وَقَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ: هَذَا كُلُّهُ فِي الْقِيَاسِ الْمُسْتَنْبَطِ مِنْ الْكِتَابِ، أَوْ مِنْ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عُمُومِ الْكِتَابِ، أَوْ عُمُومِ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، أَوْ عُمُومِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَأَمَّا الْقِيَاسُ الْمُسْتَنْبَطُ مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عُمُومِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَعَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ أَيْضًا وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى عُمُومِ الْكِتَابِ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَى جَوَازِ تَخْصِيصِهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَمَنْ لَا يُجَوِّزُ ذَلِكَ لَا يُجَوِّزُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute