للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَجْوِيزِهِ التَّخْصِيصَ بِالْقِيَاسِ: هَذَا فِيمَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الْمَعْنَى، وَأَمَّا مَا لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ مَعْنًى مُسْتَمِرٌّ جَائِزٌ عَلَى السَّيْرِ، فَالْأَصْلُ فِيهِ التَّعَلُّقُ بِالظَّاهِرِ، وَتَنْزِيلُهُ مَنْزِلَةَ النَّصِّ، وَلَكِنْ قَدْ يَلُوحُ مَعَ هَذَا مَقْصُودُ الشَّارِعِ بِجِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ، فَيَتَعَيَّنُ النَّظَرُ إلَيْهِ

وَهَذَا لَهُ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْمُلَامَسَةَ فِي قَوْلِهِ: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣] فَجَعَلَهَا الشَّافِعِيُّ عَلَى الْجَسِّ بِالْيَدِ، ثُمَّ تَرَدَّدَ نَصُّهُ فِي لَمْسِ الْمَحَارِمِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ التَّعْلِيلَ لَا جَرَيَانَ لَهُ فِي الْأَحْدَاثِ النَّاقِضَةِ وَمَا لَا يَجْرِي الْقِيَاسُ فِي إثْبَاتِهِ، فَلَا يَكَادُ يَجْرِي فِي نَفْيِهِ. فَمَالَ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ إلَى اتِّبَاعِ اسْمِ النِّسَاءِ، وَأَصَحُّ قَوْلَيْهِ: أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تُنْقَضُ بِمَسِّهِنَّ، لِأَنَّ ذِكْرَ الْمُلَامَسَةِ الْمُضَافَةِ إلَى أَنْ يَقَعَ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْدَاثِ يُشْعِرُ بِلَمْسِ اللَّاتِي يُقْصَدْنَ بِاللَّمْسِ قَالَ فَإِنْ لَمْ يُتَّجَهْ مَعْنًى صَحِيحٌ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى التَّخْصِيصِ، كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْءٌ» ، فَالْحِرْمَانُ لَا يَنْسَدُّ فِيهِ تَعْلِيلٌ، فَإِذَا انْسَدَّ مَسْلَكُ التَّعْلِيلِ اقْتَضَى الْحَالُ التَّعَلُّقَ بِلَفْظِ الشَّارِعِ: تَرَدَّدَ الشَّافِعِيُّ فِي أَنَّ الْقَتْلَ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا إذَا صَدَرَ مِنْ الْوَارِثِ فَهَلْ يَقْتَضِي حِرْمَانَهُ؟ فَوَجْهُ تَعَلُّقِ الْحِرْمَانِ بِكُلِّ قَتْلٍ، التَّعَلُّقُ بِالظَّاهِرِ مَعَ حَسْمِ التَّعْلِيلِ، وَوَجْهُ إثْبَاتِ الْإِرْثِ التَّطَلُّعُ إلَى مَقْصُودِ الشَّارِعِ، وَلَيْسَ بِخَفِيٍّ أَنَّ قَصْدَهُ مُضَادَّةُ غَرَضِ الْمُسْتَعْجِلِ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْقَتْلِ الْحَقِّ؛ وَكَذَلِكَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ فَمَنْ عَمَّمَ تَعَلَّقَ بِالظَّاهِرِ، وَمَنْ فَصَّلَ بَيْنَ الرِّبَوِيِّ وَغَيْرِهِ تَشَوَّفَ إلَى دَرْكِ مَقْصُودٍ. وَهُوَ أَنَّ فِي الْحَيَوَانِ كَمَا نَبِيعُ الشَّاةَ بِهِ نَبِيعُ الشَّاةَ بِلَحْمِهِ.

اعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْ النَّصِّ مَعْنًى يُعَمِّمُهُ قَطْعًا، كَاسْتِنْبَاطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>