للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا يُشَوِّشُ الْفِكْرَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» ، وَكَاسْتِنْبَاطِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْجَامِدِ الظَّاهِرِ الْقَالِعِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْأَحْجَارِ وَهُوَ غَالِبُ الْأَقْيِسَةِ.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْهُ مَعْنًى يَعُودُ عَلَيْهِ بِالْبُطْلَانِ، وَلِهَذَا ضَعُفَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» ، أَيْ قِيمَةُ شَاةٍ، لِأَنَّ الْقَصْدَ دَفْعُ الْحَاجَةِ بِالشَّاةِ أَوْ الْقِيمَةِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا تَجِبَ الشَّاةُ أَصْلًا، لِأَنَّهُ إذْ وَجَبَتْ الْقِيمَةُ لَمْ تَجِبْ الشَّاةُ، فَلَا تَكُونُ مُجْزِئَةً، وَهِيَ مُجْزِئَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، فَقَدْ عَادَ الِاسْتِنْبَاطُ عَلَى أَصْلِهِ بِالْبُطْلَانِ، وَاعْتِرَاضُ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ هَذِهِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ لِأَنَّ الْحَنَفِيَّ كَمَا يُجَوِّزُ الْقِيمَةَ يُجَوِّزُ الشَّاةَ، مَرْدُودٌ بِمَا سَأَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْقِيَاسِ. وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْهُ مَعْنًى يُخَصِّصُهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ. تَرَدَّدَ فِيهِمَا التَّرْجِيحُ وَقَالَ إلْكِيَا فِي الْمَدَارِكِ ": الْمَنْقُولُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِالْمَعْنَى، لِأَنَّ الْعُمُومَ يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ، ثُمَّ يُبْحَثَ عَنْ دَلِيلِهِ، فَإِنَّ فَهْمَ مَعْنَى اللَّفْظِ سَابِقٌ عَلَى فَهْمِ مَعْنَاهُ الْمُسْتَنْبَطِ، وَإِذَا فُهِمَ عُمُومُهُ، فَكَيْفَ يُتَّجَهُ بِنَاءُ عِلَّةٍ عَلَى خِلَافِ مَا فُهِمَ مِنْهُ؟

قَالَ: وَيُتَّجَهُ لِلْمُخَالِفِ أَنْ يَقُولَ: الْمَعْنَى الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ الْعُمُومِ فِي النَّظَرِ الثَّانِي رُبَّمَا نَرَاهُ أَوْفَقَ لِمَوْضُوعِ اللَّفْظِ وَمِنْهَاجِ الشَّرْعِ، وَذَلِكَ تَنْبِيهٌ إمَّا بِفَحْوَى الْخِطَابِ وَمَخْرَجِ الْكَلَامِ، وَإِمَّا بِأَمَارَةٍ أُخْرَى تَفْصِلُ بِالْكَلَامِ، وَذَلِكَ رَاجِحٌ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ اللَّفْظِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُقَدَّرُ مُخَالِفًا لِلَّفْظِ، وَلَكِنْ يُقَدَّرُ بَيَانًا لَهُ، فَاَلَّذِي فَهِمْنَاهُ أَوَّلًا الْعُمُومَ، ثُمَّ النَّظَرُ الثَّانِي يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>