الْعُمُومَ، مِثْلُ قَوْلِهِ «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» ثُمَّ قَالَ: «فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ» ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَعْلُوفَةَ لَا زَكَاةَ فِيهَا، فَخَصَّصْنَاهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» وَيَنْقُلُ الْأَوَامِرَ مِنْ الْوُجُوبِ إلَى النَّدْبِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّ دَلِيلَ الْخِطَابِ لَا يَخُصُّ الْعُمُومَ، بَلْ يَكُونُ الْعُمُومُ مُقَدَّمًا، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ الْعُمُومَ نُطْقٌ، وَدَلِيلُ الْخِطَابِ مَفْهُومٌ مِنْ النُّطْقِ، فَكَانَ النُّطْقُ أَوْلَى، وَلَنَا إجْمَاعُنَا نَحْنُ وَأَصْحَابُ مَالِكٍ عَلَى الْقَوْلِ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ، فَجَازَ التَّخْصِيصُ بِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ انْتَهَى. قَالَتْ: قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِعِ " أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ فِي التَّخْصِيصِ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ قَوْلَيْنِ، وَأَظْهَرُهُمَا: الْجَوَازُ، لِأَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ النَّصِّ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ، وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٤١] فَكَانَ عَامًّا فِي كُلٍّ مُطَلَّقَةٍ، ثُمَّ قَالَ: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٦] فَكَانَ مَفْهُومُهُ أَنْ لَا مُتْعَةَ لِمَدْخُولٍ بِهَا، فَخُصَّ بِهَا فِي - أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ - عُمُومُ الْمُطَلَّقَاتِ، وَامْتَنَعَ مِنْ التَّخْصِيصِ [عَلَى الْقَوْلِ] الْآخَرِ.
قُلْت: وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ هَذِهِ الْآيَةَ، وَجَعَلَهَا مِنْ قَبِيلِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ، مِنْ بَابِ ذِكْرِ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ: قَالَ: فَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، فَكَانَ مَرَّةً يَذْهَبُ إلَى أَنَّ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةً الَّتِي فُرِضَ لَهَا أَوْ طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ} [البقرة: ٢٤١] عَامٌّ، وَقَوْلُهُ: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: ٢٣٦] بَعْضُ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْعُمُومُ، لِأَنَّهُمَا لَا يَتَنَافَيَانِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إنَّهُ يَقْضِي بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قَوْلِهِ: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ} [البقرة: ٢٤١] لِأَنَّهَا أَخَصُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute