للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: وَقَدْ قِيلَ إنَّ آيَةَ التَّخْصِيصِ لَمْ تَرِدْ فِي تَعْرِيفِ حُكْمِ الْمُتْعَةِ، وَإِنَّمَا وَرَدَتْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ، وَإِنَّمَا يُخَصُّ الْعَامُّ إذَا كَانَ فِي الْأَخَصِّ مُرَادُ التَّخْصِيصِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّخْصِيصِ إرَادَةٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُخَصَّ بِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: ٦] فَلَيْسَ هُوَ حُجَّةٌ فِي إبَاحَةِ كُلِّ مِلْكِ يَمِينٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا تَعْرِيفُ الْإِبَاحَةِ وَإِنَّمَا قُصِدَ بِهَا الْمَدْحُ. اهـ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَمِنْ الْمُخَصِّصِ أَنْ يَأْتِيَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ، وَهُوَ مَا كَانَ لَهُ وَصْفَانِ، فَتَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِأَحَدِ وَصْفَيْهِ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهُ بِخِلَافِهِ، فَهَذَا يُخَصُّ بِهِ الْعُمُومُ قَوْلًا وَاحِدًا. اهـ.

وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ فِي كِتَابِ الدَّلَائِلِ ": الْعَامُّ إنْ لَمْ يُمْكِنْ اسْتِعْمَالُهُ فِي جَمِيعِ أَفْرَادِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْبَيَانِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] فَإِذَا ذُكِرَ بَعْضُ الْأَفْرَادِ عُلِمَ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِالزَّكَاةِ الْمَذْكُورَةِ، كَقَوْلِهِ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» . وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ بَعْضُ الْجِنْسِ، فَالْحُكْمُ لِلْعُمُومِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ} [البقرة: ٢٤١] فَهَذَا عَامٌّ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: ٢٣٦] الْآيَةَ. فَلَمَّا احْتَمَلَ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِمَنْ لَمْ يُمَسَّ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا هُوَ ذِكْرٌ لِبَعْضِ الْجِنْسِ الَّذِي أُرِيدَ بِالْمُتْعَةِ، وَلَمْ يَنْفِ - مَعَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا - أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فِي لَفْظٍ وَلَا دَلِيلَ، اقْتَضَى الْحُكْمَ عَلَى كُلِّ مُطَلَّقَةٍ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقُلْ هَذِهِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» مَعَ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ. وَقُلْ: سَائِمَةُ الْغَنَمِ وَالْعَامِلَةِ كَامِلَيْنِ هُنَا. قِيلَ: لَمَّا كَانَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ كَذَا. دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَامِلَةَ لَا شَيْءَ فِيهَا، وَكَمَا لَوْ رَفَعْنَا دَلَالَةَ مَا وَرَدَ فِي الْقُلَّتَيْنِ بِقَوْلِهِ: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» أَسْقَطْنَا أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ بِالْآخَرِ، صَلُحَ أَنْ يَكُونَ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>