بِمَنْزِلَةِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ مَعْنَاهُ. وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا مَا إذَا عَارَضَهُ لَفْظُ آيَةٍ أَوْ خَبَرٍ. فَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ آيَتَيْنِ أَوْ خَبَرَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ. وَعَلَى الثَّانِي يُقَدَّمُ النُّطْقُ الْمُحْتَمَلُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ أَعَمَّ مِنْهُ أَوْ أَخَصَّ.
الثَّانِي: ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَسُلَيْمٌ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ إذَا عَارَضَهُ غَيْرُ النُّطْقِ الَّذِي هُوَ أَصْلُهُ، فَأَمَّا إذَا عَارَضَ نُطْقَهُ وَأَصْلَهُ، فَإِمَّا أَنْ يُسْقِطَهُ وَيُبْطِلَهُ، أَوْ يَخُصَّهُ فَقَطْ. فَإِنْ اعْتَرَضَ بِالْإِسْقَاطِ وَالْإِبْطَالِ سَقَطَ الْمَفْهُومُ، وَذَلِكَ مِثْلُ حَدِيثِ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» . نَصَّ عَلَى الْبُطْلَانِ بِغَيْرِ " إذْنٍ "، وَمَفْهُومُهُ يَقْتَضِي جَوَازَهُ بِالْإِذْنِ، إلَّا أَنَّهُ إذْ أُثْبِتَ النُّطْقُ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا، وَبَيْنَ أَنْ تُنْكِحَ نَفْسَهَا بِإِذْنِهِ، فَعِنْدَنَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ فِيهِمَا، وَعِنْدَ الْخَصْمِ يَصِحُّ فِيهِمَا، فَإِذَا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ جَوَازُ ذَلِكَ بِإِذْنِهِ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ جَوَازُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ سَقَطَ النُّطْقُ، فَيَكُونُ هَذَا الْمَفْهُومُ مُسْقِطًا لِأَصْلِهِ، وَيَثْبُتُ، فَيَسْقُطُ النُّطْقُ.
وَإِنْ كَانَ الْمَفْهُومُ مُعْتَرِضًا عَلَى أَصْلِهِ بِالتَّخْصِيصِ كَمَفْهُومِ قَوْلِهِ: «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْكَلْبَ، وَحَرَّمَ ثَمَنَهُ» فَقَوْلُهُ: إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْكَلْبَ، يَقْتَضِي تَحْرِيمَ جِهَاتِ الِانْتِقَاعِ بِهِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَوْلُهُ: حَرَّمَ ثَمَنَهُ يَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَ الثَّمَنِ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ، فَهَذَا يَخُصُّ عُمُومَ ذَلِكَ النُّطْقِ الْمُحَرَّمِ. فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْمَفْهُومَ سَقَطَ، وَلَا يُخَصَّصُ عُمُومُ أَصْلِهِ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ جَوَّزَ تَخْصِيصَ أَصْلِهِ بِهِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. لِأَنَّهُ فَرْعُ الْأَصْلِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ، وَيُسْقِطَ شَيْئًا مِنْ حُكْمِهِ. وَأَصْحَابُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute