الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِفِعْلٍ مُعَيَّنٍ، كَأَكْلِ طَعَامٍ مُعَيَّنٍ مَثَلًا، ثُمَّ إنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَاهُمْ عَنْ تَنَاوُلِهِ بِلَفْظٍ مُتَنَاوِلٍ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: نَهَيْتُكُمْ عَنْ أَكْلِ الطَّعَامِ، فَهَلْ يَكُونُ النَّهْيُ مُقْتَصِرًا عَلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ بِخُصُوصِهِ أَمْ لَا، بَلْ يَجْرِي عَلَى عُمُومِهِ، وَلَا تُؤَثِّرُ عَادَاتُهُمْ؟ قَالَ الصَّفِيُّ: وَالْحَقُّ أَنَّهَا لَا تُخَصِّصُ، لِأَنَّ الْحُجَّةَ فِي لَفْظِ الشَّارِعِ، وَهُوَ عَامٌّ، وَالْعَادَةُ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ، حَتَّى تَكُونَ مُعَارِضَةً لَهُ. انْتَهَى.
وَهَذِهِ الْحَالَةُ هِيَ الَّتِي تَكَلَّمَ فِيهَا الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَهُمَا مَسْأَلَتَانِ لَا تَعَلُّقَ لِإِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ، فَإِنَّ بَعْضَ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ حَاوَلَ الْجَمْعَ بَيْنَ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْآمِدِيَّ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُمَا تَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَمِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّهُمَا حَالَتَانِ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْقِيحِ " وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْعَادَةَ السَّابِقَةَ عَلَى الْعُمُومِ يَجْعَلُهَا مُخَصِّصَةً، وَالطَّارِئَةُ بَعْدَ الْعُمُومِ لَا يُقْضَى بِهَا عَلَى الْعُمُومِ، قَالَ: وَنَظِيرُهُ أَنَّ الْعَقْدَ إذَا وَقَعَ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّ الثَّمَنَ يُحْمَلُ عَلَى الْعَادَةِ الْحَاضِرَةِ فِي النَّقْدِ، لَا عَلَى مَا يَطْرَأُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْعَوَائِدِ فِي النُّقُودِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ الْعَوَائِدِ مَا كَانَ مُقَارِنًا لَهَا، وَكَذَا نُصُوصُ الشَّارِعِ لَا يُؤَثِّرُ فِي تَخْصِيصِهَا إلَّا الْمُقَارِنُ.
وَمِمَّنْ اقْتَصَرَ عَلَى إيرَادِ هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فِي الْأُصُولِ، وَسُلَيْمٌ فِي التَّقْرِيبِ " وَأَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ، وَقَالَ: الْعَادَةُ لَا تَخُصُّ الْعَامَّ مِنْ الشَّارِعِ، فَلَوْ عَمَّ فِي النَّاسِ طَعَامٌ وَشَرَابٌ وَكَانُوا لَا يَعْتَادُونَ تَنَاوُلَ غَيْرِهِمَا، فَإِذَا وَرَدَ نَهْيٌ مُطْلَقٌ عَنْ الطَّعَامِ لَمْ يَخْتَصَّ بِالْمُعْتَادِ دُونَ غَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْعُرْفُ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute