للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّابِعُ: أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ اعْتَادُوا بَعْضَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْعُمُومُ، كَمَا لَوْ نُهِيَ عَنْ أَكْلِ اللَّحْمِ مَثَلًا، وَكَانَتْ عَادَتُهُمْ أَكْلَ لَحْمٍ مَخْصُوصٍ، فَهَلْ يَكُونُ النَّهْيُ مَقْصُورًا عَلَى مَا اعْتَادُوا أَكْلَهُ أَمْ لَا؟ هَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ، وَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ تَخْصِيصُ الْأَيْمَانِ بِالْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ. تَنْبِيهَانِ

الْأَوَّلُ: ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِالْعَادَةِ الْفِعْلِيَّةِ خِلَافًا لِمَا سَبَقَ عَنْ الْأُصُولِيِّينَ، فَإِنَّهُ لَمَّا حُمِلَ الْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرَّقِيقِ: «وَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ» الْحَدِيثَ، عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، دُونَ الْوُجُوبِ، حُمِلَ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ لِلْعَرَبِ الَّذِينَ كَانَتْ مَطَاعِمُهُمْ وَمَلَابِسُهُمْ مُتَفَاوِتَةً، وَكَانَ عَيْشُهُمْ ضَيِّقًا، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ حَالُهُ كَذَلِكَ، وَخَالَفَ مَعَاشُهُ مَعَاشَ السَّلَفِ وَالْعَرَبِ فِي أَكْلِ رَقِيقِ الطَّعَامِ، وَلُبْسِ جَيِّدِ الثِّيَابِ، فَلَوْ وَاسَى رَقِيقَهُ كَانَ أَكْرَمَ وَأَحْسَنَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَلَهُ مَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ» ، وَهُوَ عِنْدَنَا مَا عُرِفَ لِمِثْلِهِ فِي بَلَدِهِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ، هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ: فَأَنْتَ تَرَاهُ كَيْفَ خَصَّصَ عُمُومَ لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا كَانَتْ عَادَتُهُمْ فِعْلَهُ فِي تِلْكَ الْأَزْمَانِ. قُلْت: إنَّمَا خَصَّصَهُ بِقَوْلِهِ: «نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ» ، وَفَسَّرَ الْمَعْرُوفَ بِالْعُرْفِ، وَجَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِذَلِكَ، وَسَاعَدَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>