وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى الْقَوْلِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ أَهْلُ الْعُرْفِ اعْتَادُوا تَخْصِيصَ اللَّفْظِ بِبَعْضِ مَوَارِدِهِ اعْتِبَارًا بِمَا سَبَقَ الذِّهْنُ بِسَبَبِهِ إلَى ذَلِكَ الْخَاصِّ، فَإِذَا أُطْلِقَ اللَّفْظُ الْعَامُّ فَيَقْوَى تَنْزِيلُهُ عَلَى الْخَاصِّ الْمُعْتَادِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ بِاللَّفْظِ عَلَى مَا شَاعَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ. اهـ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْوَاضِحِ " الْمُعْتَزِلِيُّ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُونَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْعُمُومَ يُخَصُّ بِالْعَادَاتِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ يُخَصُّ بِالْعُرْفِ فِي الْأَقْوَالِ، وَلَا يُخَصُّ بِهِ فِي الْأَفْعَالِ فَإِذَا قَالَ لِغَيْرِهِ: اشْتَرِ دَابَّةً، فَاشْتَرَى كَلْبًا، كَانَ مُخَالِفًا، لِأَنَّ اللَّفْظَ وَإِنْ كَانَ عَامًّا فِي كُلِّ مَا دَبَّ إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ قَدْ قَيَّدَهُ بِالْخَيْلِ، وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ لَحْمًا، فَاشْتَرَى لَحْمَ كَلْبٍ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا، لِأَنَّ الِاسْمَ عَامٌّ فِي كُلِّ لَحْمٍ، وَالْعُرْفُ فِي الْفِعْلِ خَاصٌّ فِي بَعْضِ اللُّحْمَانِ فَلَمْ يُخَصَّ الْعَامُّ بِالْعُرْفِ فِي الْفِعْلِ. وَقَالَ الْإِبْيَارِيُّ: لِلْمَسْأَلَةِ أَحْوَالٌ:
أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْعُرْفُ عُرْفَ أَهْلِ اللِّسَانِ كَالدَّابَّةِ وَالْغَائِطِ، فَهَذَا لَا يُخَصُّ بِهِ الْعُمُومُ قَطْعًا، إنْ قُلْنَا: إنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي اللُّغَةِ. وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ يَتَصَرَّفُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ عُرْفِهِ، وَوَجَبَ التَّخْصِيصُ بِهِ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْعُرْفُ لِغَيْرِ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَلَمْ يَكُنْ الشَّرْعُ يَعْرِفُ غَيْرَ عُرْفِهِمْ فِي الِاخْتِصَاصِ، فَهَذَا يَجِبُ أَنْ تُنَزَّلَ أَلْفَاظُ الشَّارِعِ عَلَى مُقْتَضَاهَا، إمَّا فِي اللُّغَةِ أَوْ فِي عُرْفِ السَّامِعِ، وَهَذَا لَا يُتَّجَهُ فِيهِ خِلَافٌ، إذْ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ خِطَابِهِمْ عَلَى حَسَبِ عُرْفِهِمْ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ؟
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمُخَاطَبُونَ لَيْسُوا أَهْلَ لُغَةٍ، وَالشَّارِعُ يَعْرِفُ عُرْفَهُمْ، وَلَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ خِطَابُهُمْ عَلَى مُقْتَضَى عُرْفِهِمْ، وَلَا يَظْهَرُ الْإِضْرَابُ عَنْ ذَلِكَ، فَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ يُنَزَّلُ عَلَى مُقْتَضَى عُرْفِهِمْ أَمْ لَا؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute