بِالْأَحْدَاثِ الْمُعْتَادَةِ، فَلَوْ خَرَجَ مَا لَا يُعْتَادُ كَالْحَصَى وَالدُّودِ لَمْ يَكُنْ نَاقِضًا وَإِنَّمَا صَارَ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا أُطْلِقَ لَمْ يَتَبَادَرْ الذِّهْنُ إلَى غَيْرِ الْمُعْتَادِ نَصًّا، وَكَانَ غَيْرُهُ غَيْرَ مُرَادٍ.
قَالَ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الْأَصْلِ ابْتَنَى الْخِلَافُ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ، فَإِذَا حَلَفَ بِلَفْظٍ لَهُ عُرْفٌ فِعْلِيٌّ، وَوَضْعٌ لُغَوِيٌّ، فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْوَضْعِيِّ أَوْ اللُّغَوِيِّ؟ قَوْلَانِ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: شَذَّ الْآمِدِيُّ بِحِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الْعَادَةِ الْفِعْلِيَّةِ، وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الْمَازِرِيِّ حِكَايَةُ خِلَافٍ فِي ذَلِكَ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ. لَعَلَّهُ مِمَّا الْتَبَسَ عَلَيْهِ الْقَوْلِيَّةُ بِالْفِعْلِيَّةِ. وَأَظُنُّ أَنِّي سَمِعْت الشَّيْخَ عِزَّ الدِّينِ بْنَ عَبْدِ السَّلَامِ يَحْكِي الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا لَا تُخَصِّصُ، أَعْنِي الْفِعْلِيَّةَ. وَقَالَ الْعَالَمِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: الْعَادَةُ الْفِعْلِيَّةُ لَا تَكُونُ مُخَصِّصَةً إلَّا أَنْ تُجْمِعَ الْأُمَّةُ عَلَى اسْتِحْسَانِهَا، ثُمَّ قَالَ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا تَخْصِيصٌ بِالْإِجْمَاعِ لَا بِالْعَادَةِ. انْتَهَى.
وَقَالَ إلْكِيَا: الْخِلَافُ فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْعَادَةِ لَا يَعْنِي بِهَا الْفِعْلِيَّةَ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ أَنْ يَتَحَوَّلُوا عَنْ تِلْكَ الْعَادَةِ وَإِنَّمَا الْمَعْنِيُّ بِهَا اسْتِعْمَالُ الْعُرْفِ فِي بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ، وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْلَمَ مُوَافَقَةَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُمْ فِي مُحَاوَرَاتِهِمْ، فَيَبْتَنِي عَلَيْهَا، وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَظْهَرَ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ، فَيَتَّبِعُ مَوْضُوعَ اللُّغَةِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُنْوَانِ ": هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَحْتَاجُ إلَى تَحْرِيرٍ، لِأَنَّهُ قَدْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِالْخِلَافِ فِيهَا، وَتَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ فِيهَا. وَالصَّوَابُ أَنْ يُفَصِّلَ بَيْنَ عَادَةٍ تَرْجِعُ إلَى الْفِعْلِ، وَعَادَةٍ تَرْجِعُ إلَى الْقَوْلِ؛ فَمَا يَرْجِعُ إلَى الْفِعْلِ يُمْكِنُ أَنْ يُرَجَّحَ فِيهِ الْعُمُومُ عَلَى الْعَادَةِ، مِثْلُ أَنْ يُحَرَّمَ بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ، وَيَكُونَ الْعَادَةُ بَيْعَ الْبُرِّ مِنْهُ، فَلَا يُخَصَّصُ عُمُومُ اللَّفْظِ بِهَذِهِ الْعَادَةِ الْفِعْلِيَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute