لِكُلِّ مَا دَبَّ وَقَدْ تُعُورِفَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْخَيْلِ فَقَطْ، فَمَتَى أَمَرَنَا اللَّهُ بِالدَّابَّةِ لِشَيْءٍ حُمِلَ عَلَى الْعُرْفِ، لِأَنَّهُ بِهِ أَحَقُّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِتَخْصِيصٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَخْصِيصٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى اللُّغَةِ، وَفَرْقٌ بَيْنَ أَنْ لَا يُعْتَادَ الْفِعْلُ أَوْ لَا يُعْتَادُ إطْلَاقُ الِاسْمِ عَلَى الْمُسَمَّى. وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ مِثْلَهُ.
قَالَ الْمَازِرِيُّ: إنْ كَانَتْ الْعَادَةُ فِعْلِيَّةً لَمْ تَخُصَّ الْعُمُومَ، كَغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ، هَلْ يُحْمَلُ عَلَى إنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ، لِأَنَّهُ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ إلَّا بِهِ، أَوْ يَعُمَّ الْمَاءَ وَالطَّعَامَ وَغَيْرَهُ؟ وَفِيهِ خِلَافٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَإِنْ كَانَتْ قَوْلِيَّةً، كَأَنْ يَعْتَادَ الْمُخَاطَبُونَ إطْلَاقَ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ عَلَى الضَّأْنِ دُونَ مَا سِوَاهُ، فَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ. فَالشَّافِعِيُّ لَا يُخَصِّصُ بِهَذِهِ الْعَادَةِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يُخَصِّصُ بِهَا.
قَالَ: وَهَذَا فِيهَا إذَا كَانَ التَّعَارُفُ بَيْنَ غَيْرِ أَهْلِ اللُّغَةِ، فَأَمَّا تَعَارُفُ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى تَسْمِيَةٍ، فَإِنَّهُ يُرْجَعُ إلَيْهِ إذَا وَجَبَ التَّمَسُّكُ بِلُغَتِهِمْ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَعَارُفِ مَنْ سِوَاهُمْ عَلَى قَصْرِ مُسَمَّيَاتِهِمْ عَلَى بَعْضِ مَا وُضِعَتْ لَهُ، هَلْ يُقَدَّمُ الْعُرْفِيُّ أَوْ اللُّغَوِيُّ؟
وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: الْعَادَةُ إنْ كَانَتْ فِعْلِيَّةً لَمْ يُخَصَّ بِهَا، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: حَرَّمْت عَلَيْكُمْ أَكْلَ اللُّحُومِ، وَعَادَتُهُمْ أَكْلُ لُحُومِ الْغَنَمِ، فَيَجْرِي الْعَامُّ عَلَى عُمُومِهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَادَةً فِي التَّخَاطُبِ خُصَّ بِهَا الْعُمُومُ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: لَا تَرْكَبُوا دَابَّةً، فَيُخَصُّ بِهَا الْخَيْلُ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْإِبِلِ وَالْحَمِيرِ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَفْهُومُ فِي عَادَةِ التَّخَاطُبِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْعَادَةِ الْغَالِبَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: ٤٣] فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الْخَارِجِ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ، وَهُوَ عَامٌّ غَيْرَ أَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِنَا خَصُّوهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute