للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّاوِي لَهُ أَمْ لَا، لِأَنَّ تَخْصِيصَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اطَّلَعَ مِنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى قَرَائِنَ حَالِيَّةٍ تَقْتَضِي التَّخْصِيصَ، فَهُوَ أَقْوَى مِنْ التَّخْصِيصِ بِمَذْهَبِ صَحَابِيٍّ آخَرَ لَمْ يَرْوِ الْخَبَرَ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ، وَلَوْ بَلَغَهُ لَمْ يُخَالِفْهُ بِإِخْرَاجِ بَعْضِهِ.

وَإِلَى هَذِهِ الْأَوْلَوِيَّةِ يُرْشِدُ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الْمُخْتَصَرِ " بِقَوْلِهِ: مَذْهَبُ الصَّحَابِيِّ لَا يُخَصِّصُ، وَلَوْ كَانَ الرَّاوِي، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَاخْتَارَ الْآمِدِيُّ وَالرَّازِيَّ وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ، فَقَالَ إنْ وُجِدَ مَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِهِ، لَمْ يُخَصَّ بِمَذْهَبِ الرَّاوِي بَلْ بِهِ، إنْ اقْتَضَى نَظَرُ النَّاظِرِ فِيهِ ذَلِكَ وَإِلَّا خُصَّ بِمَذْهَبِ الرَّاوِي وَهُوَ مَذْهَبُ الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ.

وَمَثَّلَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ اللُّمَعِ " هَذَا الْقِسْمَ بِحَدِيثِ «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» . قَالَ: وَحَمَلَهُ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى فَرَسِ الْغَازِي لِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ الْحَدِيثَ لَا يُعْرَفُ مِنْ طَرِيقِ زَيْدٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: إذَا رَوَى الصَّحَابِيُّ خَبَرًا، وَعَمِلَ بِخِلَافِهِ، فَاَلَّذِي نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِرِوَايَتِهِ لَا بِفِعْلِهِ. وَنَقَلَ الْقَاضِي أَنَّ مُجَرَّدَ مَذْهَبِ الرَّاوِي لَا يُبْطِلُ الْحَدِيثَ وَلَا يَدْفَعُهُ، لَكِنْ إنْ صَدَرَ ذَلِكَ الْمَذْهَبُ مِنْهُ مَصْدَرَ التَّأْوِيلِ وَالتَّخْصِيصِ فَيُقْبَلُ، وَتَخْصِيصُهُ أَوْلَى. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِمَا رَوَاهُ إذَا كَانَ عَمَلُهُ مُخَالِفًا.

وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ عِيسَى بْنِ أَبَانَ أَنَّ الصَّحَابِيَّ إذَا كَانَ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَعَمِلَ بِخِلَافِ مَا رُوِيَ كَانَ دَلِيلًا عَلَى نَسْخِ الْخَبَرِ. قَالَ وَالِاخْتِيَارُ مَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَهُوَ إنَّا إنْ تَحَقَّقْنَا نِسْيَانَهُ لِلْخَبَرِ الَّذِي رَوَاهُ، أَوْ فَرَضْنَا مُخَالَفَتَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>