لِخَبَرٍ لَمْ يَرْوِهِ وَجَوَّزْنَا أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ فَالْعَمَلُ بِالْخَبَرِ وَإِنْ رَوَى خَبَرًا مُقْتَضَاهُ رَفْعُ الْحَرَجِ وَالْحَرَجُ فِيمَا سَبَقَ فِيهِ تَحْرِيمٌ وَحَظْرٌ، ثُمَّ رَأَيْنَاهُ يَتَحَرَّجُ فَالِاسْتِمْسَاكُ بِالْخَبَرِ، وَعَمَلُهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَرَعِ. وَإِنْ نَاقَضَ عَمَلُهُ رِوَايَتَهُ، وَلَمْ نَجِدْ مَحْمَلًا فِي الْجَمِيعِ امْتَنَعَ التَّعَلُّقُ بِرِوَايَتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُظَنُّ بِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الرِّوَايَةِ أَنْ يَعْمِدَ إلَى مُخَالَفَةِ مَا رَوَاهُ إلَّا عَنْ سَبَبٍ يُوجِبُ الْمُخَالَفَةَ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إنْ فَعَلَ مَا لَهُ فِعْلُهُ فَلَا احْتِجَاجَ بِمَا رَوَاهُ، وَإِنْ فَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ أَخْرَجَهُ ذَلِكَ عَنْ رُتْبَةِ الْفِقْهِ. قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: وَعَلَى هَذَا فَلَا يُقْطَعُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ، كَمَا صَارَ إلَيْهِ ابْنُ أَبَانَ، وَلَعَلَّهُ عَلِمَ شَيْئًا يَقْتَضِي تَرْكَ الْعَمَلِ بِذَلِكَ الْخَبَرِ. وَيُتَّجَهُ هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ ثَمَّ سَبَبٌ يُوجِبُ رَدَّ الْخَبَرِ لَوَجَبَ عَلَى هَذَا الرَّاوِي أَنْ يُثْبِتَهُ، إذْ لَا يَجُوزُ تَرْكُ ذِكْرِ مَا عَلَيْهِ مَدَارُ الْأَمْرِ، وَالْمَحَلُّ مَحَلُّ الْتِبَاسٍ، ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ: إذَا رَوَى الرَّاوِي خَبَرًا، وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُحِطْ بِمَعْنَاهُ فَمُخَالَفَتُهُ لِلْخَبَرِ لَا تَقْدَحُ فِي الْخَبَرِ وَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَنَّهُ نَاسٍ لِلْخَبَرِ أَوْ ذَاكِرٌ لِمَا عَمِلَ بِخِلَافِهِ فَالتَّعَلُّقُ بِالْخَبَرِ، لِأَنَّهُ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ، وَنَحْنُ عَلَى تَرَدُّدٍ فِيمَا يَدْفَعُ التَّعَلُّقَ بِهِ، فَلَا يُدْفَعُ الْأَصْلُ بِهَذَا التَّرَدُّدِ، بَلْ إنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ خَالَفَ الْحَدِيثَ قَصْدًا وَلَمْ نُحَقِّقْهُ، فَهَذَا يُعَضِّدُ التَّأْوِيلَ وَيُؤَيِّدُهُ، وَيَحُطُّ مَرْتَبَةَ الظَّاهِرِ، وَيُخَصُّ الْأَمْرُ فِي الدَّلِيلِ الَّذِي عَضَّدَهُ التَّأْوِيلُ.
وَقَالَ إلْكِيَا وَابْنُ فُورَكٍ: الْمُخْتَارُ أَنَّا إنْ عَلِمْنَا مِنْ حَالِ الرَّاوِي أَنَّهُ إنَّمَا حَمَلَ عَلَى ذَلِكَ بِمَا عَلِمَ مِنْ قَصْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَجَبَ اتِّبَاعُهُ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى مُخَالَفَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَإِنْ حَمَلَهُ عَلَى وَجْهِ اسْتِدْلَالٍ أَوْ تَخْصِيصًا بِخَبَرٍ آخَرَ فَلَا يَجِبُ اتِّبَاعُهُ. قُلْت: وَسَكَتَا عَنْ حَالَةٍ ثَالِثَةٍ، وَهِيَ إذَا لَمْ يُعْلَمْ الْحَالُ. وَكَأَنَّهَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي الْإِفَادَةِ "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute