للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّحَابِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ التَّابِعِينَ، وَتَعَقَّبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ، فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمَ أَوَّلًا أَنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابِيِّ هَلْ تَقَدَّمَ عَلَى سَمَاعِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ قَبْلَ سَمَاعِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَا يَتَأَتَّى هَذَا الْحَدِيثُ، وَالْحَقُّ مَعَ الشَّافِعِيَّةِ. وَإِنْ كَانَ رَأْيُهُ بَعْدَ رِوَايَتِهِ اتَّجَهَ قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ. اهـ. وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْقِسْمِ الْأَخِيرِ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الدَّلِيلِ مَمْنُوعٌ، لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ، وَهِيَ مَفْقُودَةٌ. وَهَذَا الْبَحْثُ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْمَسْأَلَةِ بِالصَّحَابِيِّ

وَمِثَالُ تَخْصِيصِ الرَّاوِي غَيْرِ الصَّحَابِيِّ حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحْتَكِرُ إلَّا خَاطِئٌ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَفِيهِ: وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَحْتَكِرُ، فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ: كَانَ مَعْمَرٌ يَحْتَكِرُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَانَا يَحْتَكِرَانِ الزَّيْتَ، وَحَمَلَا الْحَدِيثَ عَلَى احْتِكَارِ الْقُوتِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَالْغَلَاءِ، وَعَلَيْهِ جَرَى الشَّافِعِيُّ، لَكِنَّهُ خُصِّصَ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ، لَا بِقَوْلِ سَعِيدٍ. نَعَمْ، قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي " الشَّهَادَاتِ ": إنَّمَا اخْتَصَّ الْقَضَاءُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينُ بِالْأَمْوَالِ، لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ رَوَى الْخَبَرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمَّا رَوَاهُ قَالَ: وَذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ. وَقَوْلُ الرَّاوِي مُتَّبَعٌ فِي تَفْسِيرِ مَا يَرْوِيهِ وَتَخْصِيصِهِ. انْتَهَى.

الثَّانِي: مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الرَّاوِي أَوْ غَيْرُهُ، وَأَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَهُ وَانْتَشَرَ، وَلَمْ يُخَالَفْ، خُصَّ بِهِ هُوَ الصَّوَابُ. وَهَذِهِ الصُّورَةُ وَارِدَةٌ عَلَى مَنْ أَطْلَقَ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَالْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا تَخْصِيصَ، سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الرَّاوِي أَوْ غَيْرُهُ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>