مُطْلَقًا مِنْ الصَّحَابِيِّ وَمَنْ بَعْدَهُ، إذَا خَالَفَ الْخَبَرَ بِتَخْصِيصٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، حَتَّى إذَا تَرَكَهُ بِالْكُلِّيَّةِ كَانَ مَذْهَبُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُقَدَّمًا عَلَى الْخَبَرِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُقَيِّدْ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ " بِالرَّاوِي الصَّحَابِيِّ، بَلْ أَطْلَقَ. وَلَكِنْ قَيَّدَ الْمُخَالَفَةَ بِحَالَةِ التَّخْصِيصِ، وَلَا تَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ عِنْدَهُمْ.
وَصَرَّحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ " بِمَا ذَكَرْنَاهُ، فَقَالَ: وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ يَعْنِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالصَّحَابِيِّ فَلَوْ رَوَى بَعْضُ الْأَئِمَّةِ حَدِيثًا، وَعَمِلَ بِخِلَافِهِ فَالْأَمْرُ عَلَى مَا فَصَّلْنَاهُ، وَلَكِنْ قَدْ اعْتَرَضَ الْأَئِمَّةَ أُمُورٌ أَسْقَطَتْ آثَارَ أَفْعَالِهِمْ الْمُخَالِفَةِ لِرِوَايَتِهِمْ، وَهَذَا كَرِوَايَةِ أَبِي حَنِيفَةَ خِيَارَ الْمَجْلِسِ مَعَ مَصِيرِهِ إلَى مُخَالَفَتِهِ، فَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ غَيْرُ قَادِحَةٍ فِي الرِّوَايَةِ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ أَصْلِهِ تَقْدِيمُ الرَّأْيِ عَلَى الْخَبَرِ، فَمُخَالَفَتُهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى بِنَائِهِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الْفَاسِدِ، وَلِهَذَا قَالَ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ؟ وَكَرِوَايَةِ مَالِكٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ مَعَ مَصِيرِهِ إلَى نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ، وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ أَيْضًا لَا تَقْدَحُ فِي الرِّوَايَةِ، لِأَنَّ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى هَذَا فِيمَا أَظُنُّ تَقْدِيمُهُ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ، وَقَدْ حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ فِي كِتَابِهِ هَكَذَا.
ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي تَخْصِيصُ الْمَسْأَلَةِ بِالرَّاوِي يَرْوِي، ثُمَّ يُخَالِفُ، بَلْ يَجْرِي فِيمَنْ بَلَغَهُ خَبَرٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ يُخَالِفُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الرَّاوِي لِذَلِكَ الْخَبَرِ، حَتَّى إذَا وَجَدْنَا مَحْمَلًا، وَقُلْنَا: إنَّمَا خَالَفَ لِأَنَّهُ اتَّهَمَ الرَّاوِي، فَلَا يَقْدَحُ هَذَا فِي الْخَبَرِ، وَإِنْ لَمْ يُتَّجَهْ وَجْهٌ لِمُخَالَفَتِهِ هَذَا الْحَدِيثَ إلَّا الْمَصِيرُ إلَى اسْتِخْفَافِهِ بِالْخَبَرِ فَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا قَدْحٌ فِي الْخَبَرِ، وَعِلْمٌ بِضَعْفِهِ. اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَاتِ الْحَنَفِيَّةِ فِي تَقْدِيمِ قَوْلِ الرَّاوِي مُطْلَقَةٌ، فَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute