للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ قَالَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ} [المائدة: ٣] فَخَصَّ حَالَ الِاضْطِرَارِ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ حُكْمِهَا. فَصَارَ عُمُومُ اللَّفْظِ مَبْنِيًّا عَلَى الْخُصُوصِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ. انْتَهَى.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخَاصُّ مُقَارِنًا لِلْعَامِّ، كَمَا مَثَّلْنَا، أَوْ يَكُونَ الْعَامُّ مُقَارِنًا لِلْخَاصِّ، كَأَنْ يَقُولَ: «لَا زَكَاةَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» ، ثُمَّ يَقُولُ عَقِبَهُ: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» ، وَإِنْ جَوَّزْنَا نَسْخَ الْخَاصِّ بِالْعَامِّ، فَلَا يُمْكِنُ هُنَا، لِأَنَّ النَّاسِخَ شَرْطُهُ التَّرَاخِي، وَهُوَ هَاهُنَا مُقَارِنٌ، فَتَعَيَّنَ بِنَاءُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ.

الثَّانِي: أَنْ يُعْلَمَ تَارِيخُهُمَا، فَالْمُتَأَخِّرُ إمَّا الْخَاصُّ وَإِمَّا الْعَامُّ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، فَإِمَّا أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ أَوْ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَتَأَخَّرَ الْخَاصُّ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ، فَهَاهُنَا يَكُونُ الْخَاصُّ نَاسِخًا لِذَلِكَ الْقَدْرِ الَّذِي تَنَاوَلَهُ الْعَامُّ وِفَاقًا، وَلَا يَكُونُ تَخْصِيصًا، لِأَنَّ تَأْخِيرَ بَيَانِهِ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ غَيْرُ جَائِزٍ قَطْعًا، فَيُعْمَلُ بِالْعَامِّ فِي بَقِيَّةِ الْأَفْرَادِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.

وَثَانِيهَا: أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ بِالْعَامِّ دُونَ وَقْتِ الْعَمَلِ بِهِ، فَهَذِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ، فَمَنْ جَوَّزَهُ جَعَلَ الْخَاصَّ بَيَانًا لِلْعَامِّ، وَقَضَى بِهِ عَلَيْهِ، وَمَنْ مَنَعَهُ، حَكَمَ بِنَسْخِ الْعَامِّ فِي الْقَدْرِ الَّذِي عَارَضَهُ الْآخَرُ.

هَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ، وَسُلَيْمٌ، قَالَ: وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ يَخْتَصُّ بِهَا، وَإِنَّمَا يَعُودُ الْكَلَامُ فِيهَا إلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ. اهـ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ فِي اللُّمَعِ " نَحْوَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>