وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْعُدَّةِ " إذَا تَأَخَّرَ الْخَاصُّ، فَإِنْ وَرَدَ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ الَّذِي تَنَاوَلَهُ الْعَامُّ كَانَ تَخْصِيصًا، أَوْ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ كَانَ نَسْخًا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ بَيَانِ الْعُمُومِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ
وَقَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ تَأْخِيرَ بَيَانِ التَّخْصِيصِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ وَلَمْ يُجَوِّزْ نَسْخَ الْحُكْمِ قَبْلَ حُضُورِ وَقْتِ الْعَمَلِ بِهِ، كَالْمُعْتَزِلَةِ أَحَالَ الْمَسْأَلَةَ. وَمَنْ جَوَّزَهُمَا، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْخَاصَّ مُخَصِّصٌ لِلْعَامِّ، لِأَنَّهُ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْعَامِّ لَكِنَّ التَّخْصِيصَ أَقَلُّ مَفْسَدَةً مِنْ النَّسْخِ وَقَدْ أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ فَيَتَعَيَّنُ. وَنُقِلَ عَنْ مُعْظَمِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْخَاصَّ إذَا تَأَخَّرَ عَنْ الْعَامِّ، وَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا مَا يُمْكِنُ الْمُكَلَّفُ فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ الِاعْتِقَادِ بِمُقْتَضَى الْعَامِّ كَانَ الْخَاصُّ نَاسِخًا لِذَلِكَ الْقَدْرِ الَّذِي تَنَاوَلَهُ مِنْ الْعَامِّ لِأَنَّهُمَا دَلِيلَانِ وَبَيْنَ حُكْمَيْهِمَا تَنَافٍ فَيُجْعَلُ الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخًا لِلْمُتَقَدِّمِ عَنْ الْإِمْكَانِ دَفْعًا لِلتَّنَاقُصِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِمَا تَقَدَّمَ.
وَثَالِثُهَا: أَنْ يَتَأَخَّرَ الْعَامُّ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْخَاصِّ فَهَاهُنَا يُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ عِنْدَنَا، لِأَنَّ مَا تَنَاوَلَهُ الْخَاصُّ مُتَيَقَّنٌ، وَمَا تَنَاوَلَهُ الْعَامُّ ظَاهِرٌ مَظْنُونٌ، وَالْمُتَيَقَّنُ أَوْلَى. قَالَ إلْكِيَا: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا عُلِّلَ بِهِ. اهـ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَالْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ إلَى أَنَّ الْعَامَّ الْمُتَأَخِّرَ نَاسِخٌ لِلْخَاصِّ الْمُتَقَدِّمِ. وَتَوَقَّفَ فِيهِ ابْنُ الْفَارِضِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ: إذَا تَأَخَّرَ الْعَامُّ كَانَ نَسْخًا لِمَا تَضَمَّنَهُ الْخَاصُّ، مَا لَمْ تَقُمْ دَلَالَةٌ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ مُرَتَّبٌ عَلَى الْخُصُوصِ. قَالَ: وَكَانَ يَحْكِي شَيْخُنَا أَنَّ مَذْهَبَ أَصْحَابِنَا وَمَسَائِلَهُمْ تَدُلُّ عَلَيْهِ، وَقَدْ جَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: ٤] مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] لِأَنَّهُ نَزَلَ بَعْدُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute