للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهَذَا مُقَيَّدٌ بِالسَّوْمِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَفْهُومِ، حَمَلْنَا الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ عَلَى الْخِلَافِ، وَالسَّبَبُ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْمِلْكُ لِلْمَالِ الْبَاقِي، وَالْحُكْمُ وَاحِدٌ، وَهُوَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ جَرَيَانُ خِلَافِ الْحَنَفِيَّةِ فِي هَذَا الْقِسْمِ مُنْكِرِي الْمَفْهُومِ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْأَوْسَطِ، فَقَالَ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا الْقِسْمِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِمْ أَنَّهُ يُحْمَلُ. قُلْت: إلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَحْمِلُوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ كَذَلِكَ، بَلْ عَمِلُوا بِالنَّصَّيْنِ.

وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ: حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي هَذَا الْقِسْمِ مِنْ بَابِ دَلِيلِ الْخِطَابِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِدَلِيلٍ، فَيَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهِ. قَالَ: وَقَدْ اخْتَلَفَ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ فِي " التَّقْرِيبِ "، وَحَكَى الطَّرَسُوسِيُّ - بِالسِّينَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ - الْخِلَافَ فِيهِ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا. وَاسْتَثْنَى بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ مَا إذَا كَانَ الْمُقَيَّدُ آحَادًا، وَالْمُطْلَقُ مُتَوَاتِرًا. قَالَ: فَيُبْنَى عَلَى مَسْأَلَةِ الزِّيَادَةِ، هَلْ هِيَ نَسْخٌ؟ وَعَلَى نَسْخِ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ. وَالْمَنْعُ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْمُقَيَّدِ مُطْلَقًا. فَإِنْ كَانَتْ دَلَالَةُ الْمُقَيَّدِ مِنْ حَيْثُ الْمَفْهُومُ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ، فَيُقَدَّمُ خَاصُّهُ عَلَى الْعُمُومِ، وَمَنْ لَا يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ.

قُلْت: وَهَكَذَا فَعَلَتْ الْحَنَفِيَّةُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَلَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، قَالُوا: لِأَنَّهُمَا فِي الصَّوْمِ وَرَدَا فِي حُكْمٍ يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ بِمَوْضِعَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ مُقَدِّمًا التَّقْيِيدَ، وَفِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ فِي السَّبَبِ وَلَا مُزَاحَمَةَ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْحَمْلِ، فَاخْتَلَفُوا، فَصَحَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْحَمْلَ بَيَانٌ لِلْمَطْلُوبِ، أَيْ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمُطْلَقِ هُوَ الْمُقَيَّدُ، وَقِيلَ يَكُونُ نَسْخًا أَيْ دَالًّا عَلَى نَسْخِ حُكْمِ الْمُطْلَقِ السَّابِقِ بِحُكْمِ الْمُقَيَّدِ الطَّارِئِ. وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي هَذَا الْقِسْمِ فِي الْحَمْلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُطْلَقُ مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا أَوْ جُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا، وَلِهَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي " الْمُسْتَصْفَى " بَعْدَ تَعَرُّضِهِ لِهَذَا: وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يَرَى

<<  <  ج: ص:  >  >>