بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ تَقَابُلَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ، وَالْقَاضِي مَعَ مَصِيرِهِ إلَى التَّعَارُضِ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَى تَنْزِيلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ. اهـ. وَفِيمَا ذَكَرَهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَنْ صَارَ إلَى أَنَّ الْعَامَّ الْمُتَأَخِّرَ لَا يُخَصَّصُ بِالْخَاصِّ الْمُتَقَدِّمِ عِنْدَ التَّعَارُضِ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى النَّسْخِ، يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ هَاهُنَا: إنَّ الْمُطْلَقَ الْمُتَأَخِّرَ نَاسِخٌ لِلْمُقَيَّدِ الْمُتَقَدِّمِ، لِأَنَّ الْمُطْلَقَ بِمَثَابَةِ الْعَامِّ، وَالْمُقَيَّدَ بِمَثَابَةِ الْخَاصِّ، وَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ الْوَقْفُ عِنْدَ جَهْلِ التَّارِيخِ، كَمَا تَوَقَّفَ هُنَاكَ. كَذَا قَالَ الْهِنْدِيُّ والأردبيلي، وَيَشْهَدُ لَهُ حِكَايَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُقَيَّدُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْمُطْلَقِ، يَكُونُ الْمُقَيَّدُ نَاسِخًا لِلْمُطْلَقِ، وَزَيَّفَهُ.
وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَتَّجِهُ فِيمَا إذَا تَأَخَّرَ الْمُقَيَّدُ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْمُطْلَقِ، وَإِلَّا فَالْحَمْلُ عَلَى النَّسْخِ مَعَ إمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى الْبَيَانِ بَعِيدٌ، ثُمَّ يَلْزَمُهُ عَكْسُهُ إنْ رَأَى نَسْخَ الْخَاصِّ بِالْعَامِّ. وَقَدْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ الْقَائِلَ فِي الْعَامِّ بِالنَّسْخِ أَنْ يَقُولَ بِهِ هُنَا فِي الْمُطْلَقِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخَاصَّ يُنَاقِضُ الْعَامَّ فِي جِهَةِ مَدْلُولِهِ، فَإِنَّ الْعَامَّ يَدُلُّ عَلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ أَفْرَادِهِ ظَاهِرًا، وَالْخَاصَّ يَنْفِي الْحُكْمَ فِي بَعْضِهَا. فَوَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَأَمَّا الْمُطْلَقُ فَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى حُكْمِ الْمُقَيَّدِ. لَا بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ، فَإِنَّ الْإِيمَانَ مَثَلًا فِي قَوْلِهِ: (أَعْتِقْ رَقَبَةً) مَسْكُوتٌ عَنْهُ، فَلَا يَكُونُ إثْبَاتُهُ بِقَوْلِهِ: أَعْتِقْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً مُنَافِيًا لِحُكْمِ الْإِطْلَاقِ مِنْ جِهَةِ الْمَدْلُولِ، فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِكُلِّ حَالٍ، فَصَحَّ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ. وَلَا يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَقَابُلِ الْعَامِّ الْمُتَأَخِّرِ وَالْخَاصِّ الْمُتَقَدِّمِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَخْتَلِفَا فِي السَّبَبِ دُونَ الْحُكْمِ، كَإِطْلَاقِ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَتَقْيِيدِهَا بِالْإِيمَانِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ، وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute