للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ ابْنُهُ أَبُو هَاشِمٍ: هُوَ قَوْلٌ خَفِيٌّ يُلْقِيهِ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَكَذَلِكَ الْخَاطِرُ الَّذِي يُلْقِيهِ الشَّيْطَانُ فِي قَلْبِ الْعَاقِلِ، وَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِهَذِهِ التُّرَّهَاتِ. قَالَ: وَذَهَبَ أَهْلُ الْحَقِّ إلَى أَنَّ طَرِيقَ الْعِلْمِ بِوُجُوبِ النَّظَرِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَالسَّمْعِيَّاتِ، السَّمْعُ دُونَ الْعَقْلِ، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ صِحَّةُ مَا يَصِحُّ كَوْنُهُ، وَوُجُوبُ وُجُودِ مَا يَجِبُ وُجُودُهُ، وَاسْتِحَالَةُ كَوْنِ مَا يَسْتَحِيلُ كَوْنُهُ، وَصِحَّةُ مَا يَصِحُّ وُرُودُ الشَّرْعِ بِهِ جَوَازًا بِكُلِّ مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ مِنْ وَاجِبٍ وَمَحْظُورٍ، وَمُبَاحٍ وَمَكْرُوهٍ وَمَسْنُونٍ. فَقَدْ كَانَ فِي الْعَقْلِ جَوَازُ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَرَدَ بِهِ، وَكَانَ فِيهِ أَيْضًا جَوَازُ وُرُودِ الشَّرْعِ بِتَحْرِيمِ مَا أَوْجَبَهُ وَإِيجَابِ مَا حَرَّمَهُ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ فِعْلٍ، وَلَا عَلَى تَحْرِيمِهِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ، وَقَالُوا أَيْضًا: لَوْ تَوَهَّمْنَا خَلْقَ الْعَاقِلِ قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ عَلَيْهِ، وَاسْتَدَلَّ ذَلِكَ الْعَاقِلُ عَلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ، وَوَصَلَ إلَيْهَا لَمْ يَسْتَحِقَّ بِذَلِكَ ثَوَابًا، وَلَوْ جَحَدَهُ بِهِ وَكَوْنُهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ عِقَابًا، وَلَوْ عَذَّبَهُ اللَّهُ أَبَدًا فِي النَّارِ لَكَانَ عَدْلًا. وَإِنَّمَا كَانَ كَإِيلَامِ الطِّفْلِ فِي الدُّنْيَا، وَالْعِقَابُ لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ خِطَابًا أَوْ بِوَاسِطَةِ الرِّسَالَةِ ثُمَّ عَصَاهُ.

هَذَا قَوْلُ شَيْخِنَا أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ كَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>