للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّا لَا نَعْتَقِدُ ذَلِكَ، وَالْمُعْتَزِلَةُ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لِلْعَقْلِ أَحْكَامًا. وَهَذَا الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَأَنْكَرَهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَقَالَ: النَّظَرُ فِي الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِحَالٍ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ: ذَهَبَتْ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْبَرَاهِمَةُ إلَى أَنَّ الْعُقُولَ طَرِيقٌ إلَى مَعْرِفَةِ الْحَسَنِ، وَالْقَبِيحِ وَالْوَاجِبِ، وَالْمَحْظُورِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ عَلَى الْعَقْلِ. فَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: هُوَ خَاطِرٌ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ يَدْعُوهُ إلَى النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ. وَشَرَعَ الرُّسُلُ مَا قَبُحَ فِي الْعَقْلِ كَذَبْحِ الْبَهَائِمِ وَتَسْخِيرِ الْحَيَوَانِ وَإِتْلَافِهِ. قَالُوا: وَإِنَّمَا حَسُنَ وُرُودُ الشَّرْعِ بِهِ لِلْغَرَضِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ، وَخَالَفَهُمْ أَبُو هَاشِمٍ، وَزَعَمَ أَنَّهُ لَوْلَا وُرُودُ الشَّرْعِ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا جَوَازُ حُسْنِهِ.

ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ الْخَاطِرِ، فَقَالَ النَّظَّامُ: هُوَ جِسْمٌ مَحْسُوسٌ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْعَلُ خَاطِرًا لِطَاعَةٍ، وَخَاطِرًا لِمَعْصِيَةٍ فِي قَلْبِ الْعَاقِلِ فَيَدْعُوهُ بِأَحَدِ الْخَاطِرَيْنِ إلَى طَاعَتِهِ؛ لِيَفْعَلَهَا، وَيَدْعُوهُ بِالْآخَرِ لِيَتْرُكَهَا، وَقَالَ الْجُبَّائِيُّ: يَدْخُلُ الشَّيْطَانُ فِي خَرْقِ أُذُنِ الْإِنْسَانِ إلَى مَوْضِعِ سِنِّهِ أَوْ قَلْبِهِ فَيَهْمِسُ وَيَتَكَلَّمُ بِمَا يَدْعُو إلَيْهِ. قَالَ: فَالْخَاطِرُ الَّذِي مِنْ قِبَلِ اللَّهِ كَالْعِلْمِ وَنَحْوِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>