للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ أَوْلَى الْمَذَاهِبِ، أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَغْلَظَ حُكْمَيْ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، فَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْمُطْلَقِ أَغْلَظَ حُمِلَ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَلَمْ يُقَيَّدْ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْمُقَيَّدِ أَغْلَظَ، حُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى إطْلَاقِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ، لِأَنَّ التَّغْلِيظَ إلْزَامٌ، وَمَا تَضَمَّنَهُ الْإِلْزَامُ لَمْ يَسْقُطْ الْتِزَامُهُ بِالِاحْتِمَالِ.

الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صِفَةً، فَيُحْمَلُ كَالْإِيمَانِ فِي الرَّقَبَةِ، أَوْ ذَاتًا فَلَا يُحْمَلُ، كَالتَّقْيِيدِ بِالْمَرَافِقِ فِي الْوُضُوءِ دُونَ التَّيَمُّمِ وَهُوَ حَاصِلُ كَلَامِ الْأَبْهَرِيِّ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ.

الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ أَصْلًا، لَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ، وَلَا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمُلَخَّصِ عَنْ أَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ بَعْدَ أَنْ قَالَ: الْأَصَحُّ عِنْدِي الثَّانِي. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الِاصْطِلَامِ ": وَعَلَّلَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ تَقْيِيدَ الْخِطَابِ بِشَيْءٍ فِي مَوْضِعٍ، لَا يُوجِبُ تَقْيِيدَ مِثْلِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، كَمَا أَنَّ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ فِي مَوْضِعٍ لَا يُوجِبُ تَقْيِيدَ الْعُمُومِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلَوْ وَجَبَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِظَاهِرِ الْخِطَابِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِأَوْلَى مِنْ حَمْلِ الْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُطْلَقِ بِظَاهِرِ الْوُرُودِ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّقْيِيدَ لَهُ حُكْمٌ، وَالْإِطْلَاقَ لَهُ حُكْمٌ، وَحَمْلُ أَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ مِثْلُ حَمْلِ صَاحِبِهِ عَلَيْهِ. لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَرَكَ الْخِطَابَ مِنْ تَقْيِيدٍ أَوْ إطْلَاقٍ. اهـ.

قَالَ فِي " الْمُعْتَمَدِ ": وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ الْمَنْعِ، فَقِيلَ: لِأَنَّ تَقْيِيدَهُ بِالْإِيمَانِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ، وَالنَّسْخُ لَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِالْقِيَاسِ. وَقِيلَ: لِأَنَّ تَقْيِيدَهُ بِالْإِيمَانِ زِيَادَةٌ عَلَى حُكْمٍ قُصِدَ اسْتِيفَاؤُهُ. وَقِيلَ: تَخْصِيصُهُ بِالْإِيمَانِ هُوَ تَخْصِيصُهُ بِحُكْمٍ قَدْ قُصِدَ اسْتِيفَاؤُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>