للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ فِي " الْمَنْخُولِ ": اخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ النَّسْخِ، فَقِيلَ: لِأَنَّ فِيهِ شَرْطَ الْإِيمَانِ وَالنَّصُّ لَا يَقْتَضِيهِ. وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ: اقْتَضَى النَّهْيُ إجْزَاءَ مَا يُسَمَّى رَقَبَةً، فَشَرْطُ الْإِيمَانِ بِغَيْرِ مُقْتَضَى النَّصِّ. قَالَ: وَهَذَا يَقْوَى لَهُمْ فِي مَسْأَلَةِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّى بَيَانَ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ وَأَرْكَانِهِ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ وُقُوعَ الْإِجْزَاءِ بِتَحْصِيلِ مَا تَعَرَّضَ لَهُ، وَشَرْطُ النِّيَّةِ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ تَخْصِيصٌ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يُسَمِّي الظَّاهِرَ نَصًّا. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْقِيَاسِ وَغَيْرِهِ نُقْصَانٌ لَا زِيَادَةٌ. فَإِنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ فِيهَا مَا هُوَ نَسْخٌ، وَمَا لَيْسَ بِنَسْخٍ.

[أَسْبَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ] وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَصْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَلْتَفِتُ إلَى أُمُورٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُطْلَقَ هَلْ هُوَ ظَاهِرٌ فِي الِاسْتِغْرَاقِ أَوْ نَصٌّ فِيهِ؟ فَإِنْ قُلْنَا: ظَاهِرٌ، جَازَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي التَّخْصِيصِ بِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: نَصٌّ، فَلَا يَسُوغُ، لِأَنَّهُ يَكُونُ نَسْخًا، وَالنَّسْخُ بِالْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ. قَالَ ابْن رَحَّالٍ: وَرَأَيْت لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. مَذْهَبًا ثَالِثًا، وَهُوَ أَنَّ الْمُطْلَقَ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي الْإِطْلَاقِ، وَلَا ظَاهِرٍ فِيهِ، بَلْ هُوَ مُتَنَاوِلٌ لِلذَّاتِ غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِلْقَيْدِ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكُونُ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ مِنْ بَابِ التَّأْوِيلِ، بَلْ يَكُونُ آتِيًا بِمَا لَمْ يُشْعِرْ بِهِ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ بِمَثَابَةِ إيجَابِ الزَّكَاةِ بَعْدَ إيجَابِ الصَّلَاةِ. الثَّانِي: أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ عِنْدَهُمْ، تَخْصِيصٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>