الشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَنْ لَا يُمْكِنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ أَمْكَنَ تَعَيُّنُ إعْمَالِهِمَا، فَإِنَّهُ أَوْلَى مِنْ تَعْطِيلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا: ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي " الْمَطْلَبِ " فِي الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ. وَمِثَالُهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» ، وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ: «مَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» . فَإِنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى تَقْتَضِي أَنَّ بَعْضَ الْعَبِيدِ لَا يَكُونُ لَهُ مَالٌ، فَيَكُونُ الْإِضَافَةُ فِيهِ لِلتَّمْلِيكِ، وَالْمَالُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُمَلِّكُهُ السَّيِّدُ إيَّاهُ، وَلَيْسَ كُلُّ عَبْدٍ يُمَلِّكُهُ السَّيِّدُ مَالًا. وَالثَّانِيَةُ تَشْمَلُ كُلَّ عَبْدٍ، فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ فِيهَا إضَافَةَ تَخْصِيصٍ لَا تَمْلِيكٍ، فَيُحْمَلُ عَلَى ثِيَابِهِ الَّتِي عَلَيْهِ، لِأَنَّ كُلَّ عَبْدٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ثِيَابٍ يَخْتَصُّ بِهَا. قَالَ: فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُطْلَقَةٌ، تَنْزِلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِهَا بِحَالَةِ تَمْلِيكِ السَّيِّدِ الْمَالَ لَهُ. قَالَ: وَلَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ هُنَا لِأَنَّ الْجَمْعَ مُمْكِنٌ.
الشَّرْطُ السَّادِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ الْمُقَيَّدُ ذُكِرَ مَعَهُ قَدْرٌ زَائِدٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْقَيْدُ لِأَجْلِ ذَلِكَ الْقَدْرِ الزَّائِدِ. فَلَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ هُنَا قَطْعًا، مِثَالُهُ: إنْ قَتَلْتَ، فَأَعْتِقْ رَقَبَةً، مَعَ: إنْ قَتَلْتَ مُؤْمِنًا فَأَعْتِقْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، فَلَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ هُنَاكَ عَلَى الْمُقَيَّدِ هُنَا فِي الْمُؤْمِنَةِ، لِأَنَّ التَّقْيِيدَ هُنَا إنَّمَا جَاءَ لِلْقَدْرِ الزَّائِدِ، وَهُوَ كَوْنُ الْمَقْتُولِ مُؤْمِنًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُحْبِطُ الْعَمَلَ إلَّا بِشَرْطِ الْوَفَاةِ عَلَى الْكُفْرِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُحْبِطُ بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [البقرة: ٢١٧] وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: ٥] فَمُطْلَقٌ، قُيِّدَتْ بِهِ الْآيَةُ السَّابِقَةُ. هَكَذَا قَالُوا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا فِي الْقَيْدِ مِنْ الْقَدْرِ الزَّائِدِ، وَهُوَ الْخُلُودُ فِي النَّارِ. وَأَيْضًا فَلَيْسَتْ الْآيَتَانِ مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، بَلْ مِنْ بَابِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ، فَنُعْمِلُ الْخَاصَّ، عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي تَمَسَّكَ بِهَا الْحَنَفِيَّةُ مُقَيَّدَةٌ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute