للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظَاهِرِهِ، وَكَانَ الْأَصْلُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُعَضَّدَ التَّأْوِيلُ بِدَلِيلٍ مِنْ خَارِجٍ، لِئَلَّا يَكُونَ تَرْكًا لِلظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ، وَقَدْ جَعَلُوا الضَّابِطَ فِيهِ مُقَابَلَةَ الظَّاهِرِ بِالتَّأْوِيلِ وَعَاضِدِهِ، وَتَقْدِيمِ الْأَرْجَحِ فِي الظَّنِّ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَقَدْ قِيلَ بِالْوَقْفِ، وَإِنْ كَانَ مَا يَدَّعِي تَأْوِيلًا لَا يَنْقَدِحُ احْتِمَالُهُ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ تَقْدِيمَ أَرْجَحِ الظَّنَّيْنِ عِنْدَ التَّقَابُلِ هُوَ الصَّوَابُ، غَيْرَ أَنَّا نَرَاهُمْ إذَا انْصَرَفُوا إلَى الظَّنِّ، تَمَسَّكَ بَعْضُهُمْ بِهَذَا الْقَانُونِ. وَمِنْ أَسْبَابِهِ اشْتِبَاهُ الْمَيْلِ الْحَاصِلِ بِسَبَبِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ بِالْمَيْلِ الْحَاصِلِ مِنْ الْإِلْفِ وَالْعَادَةِ وَالْعَصَبِيَّةِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تُحْدِثُ لِلنَّفْسِ هَيْئَةً وَمَلَكَةً تَقْتَضِي الرُّجْحَانَ فِي النَّفْسِ بِجَانِبِهَا، بِحَيْثُ لَا يَشْعُرُ النَّاظِرُ بِذَلِكَ، وَيَتَوَهَّمُ أَنَّهُ رُجْحَانُ الدَّلِيلِ، وَهَذَا مَحَلُّ خَوْفٍ شَدِيدٍ وَخَطَرٍ عَظِيمٍ يَجِبُ عَلَى الْمُتَّقِي اللَّهَ أَنْ يَصْرِفَ نَظَرَهُ إلَيْهِ وَيَقِفَ فِكْرُهُ عَلَيْهِ.

وَقَالَ فِي " شَرْحِ الْعُنْوَانِ ": يَجِبُ إجْرَاءُ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ دُونَ مَآلِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى الْخِلَافِ الظَّاهِرِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ الدَّلِيلِ عَلَى التَّأْوِيلِ الْمَرْجُوحِ أَقْوَى مِنْ الظَّاهِرِ، وَهُوَ تَصَرُّفٌ حَسَنٌ لَوْ مَشَى عَلَيْهِ فِي آحَادِ الْمَسَائِلِ حَيْثُ يَقَعُ الْمُتَصَرِّفُ فِيهَا، لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْعَمَلَ بِأَقْوَى الظَّنَّيْنِ وَاجِبٌ، وَكَلَّمَا كَانَ أَبْعَدَ احْتَاجَ إلَى دَلِيلٍ أَقْوَى لِمَا ذَكَرْنَا، وَاسْتَثْنَى مِنْهُ الظَّوَاهِرَ الْمُقْتَضِيَةَ لِخِلَافِ مَا دَلَّ الْقَوَاطِعُ الْعَقْلِيَّةُ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَعِيدِ مِنْ التَّأْوِيلِ وَالْقَرِيبِ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى تَرْجِيحِ الْأَقْوَى، لِأَنَّ الْقَاطِعَ لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ عَنْ مَدْلُولِهِ، بِخِلَافِ الظَّاهِرِ.

قُلْت: وَكَلَامُ صَاحِبِ " الْمُقْتَرَحِ " مِنْ الْجَدَلِيِّينَ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ دَلِيلَ التَّأْوِيلِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْجُمْهُورِ، وَحَمَلَهُ بَعْضُ شَارِحِيهِ عَلَى أَنَّ دَلِيلَ التَّأْوِيلِ إنْ كَانَ رَاجِحًا، تَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُسَاوِيًا كَانَ ذَلِكَ مُعَارَضَةً. وَكِلَاهُمَا يُزَيِّفُ كَلَامَ الْمُسْتَدِلِّ، وَيَمْنَعُهُ مِنْ الْعَمَلِ بِدَلِيلِهِ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا فَيُوَافِقُ كَلَامَ الْأُصُولِيِّينَ، وَرَجَعَ الْخِلَافُ إلَى اللَّفْظِ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>