مُفَارَقَةِ مَنْ يُرِيدُ إمْسَاكَهَا مِنْهُنَّ، وَصَارَ كَأَنَّهُ أَمَرَ بِمُفَارَقَةِ الْجَمِيعِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ فَوَّضَ لَهُ الْخِيَرَةَ فِيمَنْ يُمْسِكُ مِنْهُنَّ، وَفِيمَنْ يُفَارِقُ مِنْهُنَّ، وَعِنْدَهُمْ الْفِرَاقُ وَاقِعٌ، وَالنِّكَاحُ لَا يَبْتَدِئُهُ مَا لَمْ تُوَافِقْهُ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِ، فَصَارَ تَخْيِيرُ التَّفْوِيضِ لَغْوًا لَا فَائِدَةَ لَهُ، فَقَدْ لَا يَرْضَيْنَ أَوْ بَعْضُهُنَّ الرُّجُوعَ إلَيْهِ. الرَّابِعُ: أَنَّ قَوْلَهُ: " أَمْسِكْ " ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ. وَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءُ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْأَصْلِ، وَلَمَّا دَلَّ مَجْمُوعُ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ عَلَى فَسَادِ هَذَا التَّأْوِيلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا تَأْوِيلَ فِيهِ، وَلَوْ صَحَّ عِنْدِي لَقُلْت بِهِ. وَقَالَ الْعَبْدَرِيّ: الْخِلَافُ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَعَارُضِ الْقِيَاسِ، وَظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَرَأَى الْأُصُولِيِّينَ فِيهَا أَنَّهَا مَوْكُولَةٌ إلَى اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِينَ، فَمَنْ رَأَى الْخَبَرَ أَقْوَى عَمِلَ بِهِ. وَمَنْ رَأَى الْقِيَاسَ أَقْوَى عَمِلَ بِهِ، وَلَيْسَ هَذَا الرَّأْيُ صَحِيحًا؛ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّ دَلَالَةَ الْمَنْطُوقِ بِهِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ، وَدَلَالَةُ الْمَفْهُومِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ الْمَعْقُولِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ. فَكَمَا يَتَقَدَّمُ الْخَبَرُ الْقِيَاسَ فِي قُوَّةِ الدَّلَالَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي الْعَمَلِ بِهِ، وَلِهَذَا كَانَ الْمُجْتَهِدُ يَطْلُبُ أَوَّلًا الْإِجْمَاعَ، فَإِنْ وَجَدَهُ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ طَلَبَ النَّصَّ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ طَلَبَ الظَّاهِرَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ طَلَبَ الْمَفْهُومَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ إلَى الْقِيَاسِ. وَقَالَ الْهِنْدِيُّ: وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي ذَلِكَ، لَكِنَّهُ ثَبَتَ جَوَازُ الِاخْتِيَارِ رُخْصَةً، وَتَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ.
وَمِنْهَا: حَمْلُهُمْ حَدِيثَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» عَلَى الصَّغِيرَةِ، وَرُدَّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَةً فِي حُكْمِ اللِّسَانِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ الصَّبِيُّ بَعْلًا، وَأَيْضًا فَهَذَا سَاقِطٌ عِنْدَهُمْ فَإِنَّ الصَّغِيرَةَ لَوْ زُوِّجَتْ انْعَقَدَ النِّكَاحُ عِنْدَهُمْ صَحِيحًا مَوْقُوفًا نَفَاذُهُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ. وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» ، وَأَكَّدَهُ ثَلَاثًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute