للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَاطِلٌ أَيْ يُؤَوَّلُ إلَى الْبُطْلَانِ غَالِبًا لِاعْتِرَاضِ الْوَلِيِّ إجَازَتَهُ لِقُصُورِ نَظَرِهِنَّ، وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْبُطْلَانَ صَرَّحَ بِهِ مُؤَكَّدًا بِالتَّكْرَارِ مُطْلَقًا وَتَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِمَا يُؤَوَّلُ إلَيْهِ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مَا يُؤَوَّلُ إلَيْهِ كَائِنًا لَا مَحَالَةَ نَحْوُ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ} [الزمر: ٣٠] فَفَرُّوا مِنْ ذَلِكَ، وَقَالُوا: ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَمَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ تَسْمِيَةُ السَّيِّدِ وَلِيًّا، فَأَلْزَمُوا بُطْلَانَهُ بِأَنَّ نِكَاحَهَا كَمَا ذَكَرْنَا فِي الصَّغِيرَةِ، وَبِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَعَلَ لَهَا الْمَهْرَ بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، وَمَهْرُ الْأَمَةِ لِمَوْلَاهَا، فَفَرُّوا مِنْ ذَلِكَ، وَقَالُوا: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ، وَأَرَادُوا التَّخَلُّصَ مِنْ الْمَهْرِ، فَإِنَّ الْمُكَاتَبَةَ مُسْتَحِقَّةٌ، فَرُدَّ بِنُدُورِ الْمُكَاتَبَةِ وَقِلَّتِهَا فِي الْوُجُودِ، وَالْعُمُومُ ظَاهِرٌ فِيهِ، فَإِنَّ " أَيًّا " كَلِمَةٌ عَامَّةٌ، وَأَكَّدَهَا " بِمَا "، هَذَا مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ ابْتِدَاءً تَمْهِيدًا لِلْقَاعِدَةِ، لَا فِي جَوَابِ سَائِلٍ حَتَّى يَظْهَرَ تَخْصِيصُهُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الصِّنْفَ مِنْ التَّأْوِيلِ مَقْبُولٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ إذَا عَضَّدَهُ دَلِيلٌ وَقَالَ الْقَاضِي: إنَّهُ مَرْدُودٌ قَطْعًا. وَعَزَاهُ إلَى الشَّافِعِيِّ قَائِلًا: إنَّهُ عَلَى جَلَالَةِ قَدْرِهِ لَمْ يَكُنْ لِتَخْفَى عَلَيْهِ هَذِهِ الْجِهَاتُ لِلتَّأْوِيلَاتِ، وَقَدْ رَأَى الِاعْتِصَامَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) اعْتِصَامُ النَّصِّ، وَقَدَّمَهُ عَلَى الْأَقْيِسَةِ الْجَلِيَّةِ، فَكَانَ ذَلِكَ شَاهِدًا عَدْلًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى التَّعَلُّقَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ.

وَذَكَرَ الْقَاضِي مَا حَاصِلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَكَرَ أَعَمَّ الْأَلْفَاظِ، إذْ أَدَوَاتُ الشَّرْطِ مِنْ أَعَمِّ الصِّيَغِ، وَأَعَمُّهَا " مَا " وَ " أَيُّ " فَإِذَا فُرِضَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَانَ مُبَالَغًا فِي مُحَاوَلَةِ التَّعْمِيمِ، أَيْ أَنَّ " مَا " لَوْ تَجَرَّدَتْ، وَكَانَتْ شَرْطِيَّةً كَانَتْ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، وَقَدْ أُتِيَ بِهَا زَائِدَةً لِلتَّأْكِيدِ، فَكَانَتْ مُقَوِّيَةً لِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ " أَيْ " مِنْ التَّعْمِيمِ، كَذَا فَهِمَهُ الْمَازِرِيُّ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ " مَا " الْمُتَّصِلَةُ " بِأَيْ " شَرْطِيَّةٌ، كَمَا فَهِمَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ. ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: هَذِهِ غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ، وَوَافَقَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ، وَنَسَبَاهُ إلَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَهُوَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي، وَمَعْنَاهُ مَا عَرَفْت.

<<  <  ج: ص:  >  >>