وَمِنْهَا: حَمْلُهُمْ قَوْله تَعَالَى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: ٤] عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مُقَامَهُ. وَالْمَعْنَى فَإِطْعَامُ طَعَامٍ سِتِّينَ مِسْكِينًا، فَجَوَّزُوا صَرْفَ جَمِيعِ الطَّعَامِ إلَى وَاحِدٍ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ الْحَاجَةِ، وَحَاجَةُ السِّتِّينَ كَحَاجَةِ الْوَاحِدِ فِي سِتِّينَ يَوْمًا، فَاسْتَوَيَا فِي الْحُكْمِ.
وَهَذَا تَعْطِيلٌ لِلنَّصِّ إذْ جَعَلُوا الْمَعْدُومَ وَهُوَ " طَعَامٌ " مَذْكُورًا، لِيَصِحَّ كَوْنُهُ مَفْعُولًا لِإِطْعَامٍ، وَالْمَذْكُورُ وَهُوَ " {سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: ٤] " عَدَمًا مَعَ صَلَاحِيَّتِهِ لِكَوْنِهِ مَفْعُولًا " لِإِطْعَامٍ " مَعَ إمْكَانِ قَصْدِ الْعَدَدِ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ، وَبَرَكَتِهِمْ، وَتَضَافُرِ قُلُوبِهِمْ عَلَى الدُّعَاءِ لِلْمُحْسِنِ. وَهَذِهِ مَعَانٍ لَائِحَةٌ لَا تُوجَدُ فِي الْوَاحِدِ. وَأَيْضًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْ النَّصِّ مَعْنًى يَعُودُ عَلَيْهِ بِالْإِبْطَالِ.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَلِأَنَّ " أَطْعَمَ " يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ، وَالْمُهِمُّ مِنْهُمَا مَا ذَكَرَ، وَالْمَسْكُوتُ عَنْهُ غَيْرُ مُهِمٍّ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَدَدَ الْمَسَاكِينِ، وَسَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الطَّعَامِ، فَاعْتَبَرُوا الْمَسْكُوتَ عَنْهُ وَهُوَ الْأَمْدَادُ، وَتَرَكُوا الْمَذْكُورَ وَهُوَ الْأَعْدَادُ، وَهُوَ عَكْسُ الْحَقِّ.
أَمَّا الْمَازِرِيُّ فَانْتَصَرَ لِلْحَنَفِيَّةِ بِوَجْهَيْنِ: فِقْهِيٌّ، وَنَحْوِيٌّ. أَمَّا الْفِقْهِيُّ: فَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مَذْهَبِهِمْ إبْطَالُ النَّصِّ إلَّا لَوْ جَوَّزُوا إعْطَاءَ الْمِسْكِينِ الْوَاحِدِ سِتِّينَ مُدًّا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ ذَلِكَ، بَلْ يُرَاعُونَ صُورَةَ الْعَدَدِ، وَيَشْتَرِطُونَ تَكْرِيرَ ذَلِكَ عَلَى الْمِسْكِينِ الْوَاحِدِ تَكْرِيرَ الْأَيَّامِ فِرَارًا مِنْ أَنَّ اللَّهَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute